الصور القادمة من قطاع غزة إلى الفضاء الخارجي، وتصريحات وزراء منذ بداية الحرب وحتى يومنا، دفعت العديد من الزعماء الأوروبيين لأن "يضيقوا ذرعا" وأن يخرجوا من التصريحات في العلن إلى خطوات فعلية ضد إسرائيل.
فولكر بيك، رئيس جمعية الصداقة الإسرائيلية الألمانية، يوضح في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية كيف تراجعت العلاقات بين إسرائيل وألمانيا "التي سئمت الحرب"، ويقول إن "استطلاع رأي أجرته شبكة ZDF التلفزيونية يشير إلى أن الدعم لإسرائيل في ألمانيا انخفض إلى مستوى منخفض بلغ 12%، حيث قال 80% إنهم لا يتفقون مع تصرفات إسرائيل في غزة".
وأما على المستوى السياسي، فقد أعرب المستشار فريدرش ميرتس عن استيائه من تحركات إسرائيل في الحرب على غزة، بينما تدعوه أصوات داخل ائتلافه إلى فرض حظر على الأسلحة عليها.
مراسل مجلة "دير شبيغل"، كريستوف شوليت، حذر من أن موقف المستشار تغير بشكل جوهري فيما يتصل بالواقع في غزة، وأيضا كجزء من نظام الضغوط التي يواجهها، سواء على المستوى المحلي من جانب شركائه السياسيين في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذين يطالبونه بفرض عقوبات على إسرائيل، وأيضا من جانب شركائه الأوروبيين - فرنسا وبريطانيا.
سُئل شوليت في مقابلة معه: "ما رأي الناس في ألمانيا في أن الجيش الإسرائيلي يطلق النار عمدًا على العائلات؟ على الأطفال؟"، فأجاب: "أعتقد أن الأغلبية، للأسف، تعتقد ذلك. تعتقد الأغلبية أن هذه ليست حربًا مبررة. بعد السابع من أكتوبر، كان الوضع مختلفا لكنه الآن تغير تمامًا".
البداية: حراك دبلوماسي فرنسي
الانعطاف الأوروبي في العلاقة مع إسرائيل يشهد تسارعا غير مسبوق بدأته فرنسا بدعوتها لمؤتمر دولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما فتح حرب دبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل، وتحديدا نتنياهو الذي خرج مؤخرا ليهاجم الرئيس الفرنسي ماكرون بشدة.
والليلة الماضية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن "فرنسا قد تشدد موقفها من إسرائيل إذا واصلت منع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة"، مؤكداً أن باريس ملتزمة بحل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأضاف ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك في سنغافورة مع رئيس وزرائها لورانس وونج: "الحصار الإنساني يخلق وضعاً لا يمكن الدفاع عنه على الأرض، لذا، إذا لم يكن هناك استجابة مناسبة للوضع الإنساني في الساعات والأيام المقبلة، فمن الواضح أنه سيتعين علينا تشديد موقفنا الجماعي"، محذراً من أن فرنسا قد تفكر في تطبيق عقوبات على مستوطنين إسرائيليين.
انعطاف بريطاني يبعث على القلق
إلا أن التطورات في العلاقات بين إسرائيل وبريطانيا يبدو أنها الأكثر قلقا، وأيضا الأكثر تأثيرا، فبالإضافة إلى كونها الدولة التي صكت وعد بلفور، ومهدت الطريق لإقامة دولة إسرائيل بانتدابها في المنطقة، فإن الحكومة العمّالية الجديدة في بريطانيا التي تولت مهامها منذ تموز الماضي، شرعت بخطوات فعلية ضد إسرائيل.
بريطانيا، هي أيضا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل، بحجم تجارة يبلغ نحو تسعة مليارات جنيه إسترليني ما يضعها رابع أكبر شريك تجاري.
أول الغيث عقوبات اقتصادية
وإلى جانب صديقين مهمين آخرين لإسرائيل في العالم هما فرنسا وكندا، هددت بريطانيا إسرائيل بفرض عقوبات عليها إذا استمرت الحرب في غزة، وبعد أقل من يوم أعلنت إلغاء المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة المستقبلية مع إسرائيل، واستدعاء السفيرة في لندن تسيبي حوتوفلي للتوبيخ، كما وفرضت عقوبات على عدد من المستوطنين.
في الحقيقة، فإن الانعطاف في الموقف البريطاني يأتي بسبب تنامي الجاليات العربية والإسلامية في بريطانيا، ففي الانتخابات الأخيرة كانت نسبة المناطق المعرفة بأنها إسلامية في بريطانيا بلغت 30 بلدة أو منطقة بحكم التعريف، وهذا يعني أن للمسلمين في بريطانيا كان لهم تأثير كبير في الانتخابات الأخيرة.
تنامي الجاليات الإسلامية تؤثر على الموقف
وفي مقال لإيتمار آيخنر على صحيفة يديعوت أحرونوت، حذّر من أن الانتخابات البريطانية المقبلة التي ستجرى في عام 2029، فإن نسبة المشاركة المتوقعة بين 50 و70% من الناخبين، مع نسبة كبيرة من المسلمين أصحاب حق الاقتراع، وهو ما يعني حتما التأثير بشكل كبير على الموقف البريطاني باتجاه إسرائيل، دون أن يكون مرتبطا بالضرورة بالحرب في غزة.
ويضيف الكاتب " الصور قاسية، ولها صدى كبير في بريطانيا. إن الحرب مستمرة، والعالم متعب بالفعل ولا يفهم أهدافها - ولكن ما يسرع العملية بالتأكيد في بريطانيا هو الشأن السياسي الداخلي. على سبيل المقارنة، هناك في ألمانيا أيضا انتقادات لإسرائيل - ولكن الأمر مختلف تماما: هذه ليست حكومة يسارية. ويتحدث المستشار ميرز ووزير خارجيته يوهانس فيرنر دي بول عن وضع لا يطاق بسبب الحرب، كما وأن هناك دعوات داخل الائتلاف لفرض حظر على الأسلحة، وهو الحظر الذي لم يتم تنفيذه بعد، لكن العقوبات الألمانية ليست على جدول الأعمال".
خطوات فعلية متنامية
وفقط اليوم، صوت مجلس مدينة برشلونة في إسبانيا على قرار غير عادي ينص على قطع جميع العلاقات المؤسساتية مع الحكومة الإسرائيلية "الحالية" بما يشمل فض التوأمة والتأثير على الحكومة بمنع رسو السفن الإسرائيلية في برشلونة وغيرها. للمزيد:
وإلى جانب ذلك كله، يناقش الاتحاد الأوروبي طلبا لإعادة مراجعة علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل بسبب استمرار الحرب على غزة وانتهاك حقوق الإنسان، بينما هذا الطلب لم يلاقي معارضة من الدول ذات النفوذ والتأثير والهيمنة في الاتحاد الأوروبي، بل إن الدول التي تعتبر بأنها الأكثر صداقة مع إسرائيل كانت بين عدم معارضة لإعادة مناقشة العلاقات مع إسرائيل، أو بين من دعت إلى ذلك مثل هولندا.
First published: 09:10, 31.05.25