سجّل الاقتصاد الإسرائيلي في العامين الماضيين خسائر جسيمة نتيجة تصاعد هجرة المواطنين إلى الخارج، وفقًا لبحث جديد أعدّه فريق أكاديمي من جامعة تل أبيب، وسط تحذيرات من "خطر استراتيجي كبير" على المدى البعيد إذا استمرّت هذه الموجة.
خسائر مالية وارتفاع في هجرة الكفاءات العالية
وبحسب البحث الذي أعدّه البروفيسور إيتاي أتر والبروفيسور نيتاي برغمان ودورون زمير، فقد غادر نحو 90 ألف إسرائيلي البلاد بين كانون الثاني/يناير 2023 وأيلول/سبتمبر 2024، مقارنة بمعدل سنوي مستقر سابقًا بلغ حوالي 32 ألفًا. وبيّن التقرير أن هذه الهجرة غير المسبوقة جاءت مصحوبة بارتفاع كبير في نسبة أصحاب الدخل المرتفع بين المهاجرين، حيث ارتفعت نسبتهم من ربع إلى أكثر من ثلث.
يشير معدّو التقرير إلى أن الاقتصاد خسر نتيجة هذه الهجرة نحو 1.5 مليار شيكل من الإيرادات الضريبية، كانت ستُحصّل من هؤلاء المواطنين لو استمروا بالعيش والعمل في البلاد، وهو رقم لا يشمل الضرائب غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات.
نزيف في قطاعي الطب والتكنولوجيا
أحد الجوانب المثيرة للقلق بحسب التقرير هو مغادرة 875 طبيبًا البلاد خلال الفترة ذاتها، وبحسب الأرقام، فإن صافي عدد الأطباء الذين غادروا ولم يعودوا بلغ 481 طبيبًا، ما يشكّل ضغطًا إضافيًا على نظام صحي يعاني أصلًا من نقص حاد في الكوادر.
كذلك، هاجر أكثر من 19 ألفًا من حملة الشهادات الجامعية، بينهم 6600 من خريجي تخصصات العلوم والهندسة، و633 من حملة الدكتوراه في مجالات الـSTEM، مما يعمّق ظاهرة "هجرة الأدمغة". كما سجّلت مغادرة 2330 مهندسًا صافيًا في الفترة ذاتها، ما يُهدد أحد أبرز محركات النمو الاقتصادي: قطاع الهايتك.
الشباب هم الغالبية.. لكن الكبار يلحقون
نحو 75% من المغادرين كانوا تحت سن الأربعين، إلا أن التقرير يُظهر كذلك بداية تزايد في نسبة المغادرين من الفئات العمرية الأكبر، بمن فيهم أصحاب وظائف مستقرة وعائلات، ما يعكس تحول الهجرة إلى ظاهرة عابرة للشرائح والفئات.
وحذّر الباحثون من احتمال دخول الاقتصاد في "دوامة سلبية"، حيث تؤدي كل هجرة إلى إضعاف المنظومة التي ينتمي إليها الفرد (سواء صحية أو أكاديمية أو اقتصادية)، ما يرفع من فرص مغادرة آخرين، خاصة مع كل صدمة سياسية أو أمنية جديدة.
تحذير: خطر استراتيجي وليس أزمة آنية
على الرغم من أن العدد المطلق للمهاجرين لا يشكّل حتى الآن تهديدًا فوريًا، يؤكد الباحثون أن الخطر يكمن في طبيعة من يهاجرون: أصحاب المهارات العالية في الطب، التكنولوجيا، الهندسة، والبحث الأكاديمي. ويشير التقرير إلى أن "الاقتصاد الإسرائيلي لا يقوم على موارد طبيعية، بل على رأس مال بشري محدود، ويكفي أن تهاجر نخب صغيرة ومؤثرة لإحداث ضرر بنيوي".
ويخلص التقرير إلى أن تجاهل هذه الظاهرة، كما تفعل الحكومة الحالية، "قد يتحول إلى خطأ استراتيجي تاريخي"، وأن معالجة الظاهرة يجب أن تبدأ فورًا قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة.



