انفجرت السجالات السياسية في إسرائيل عقب تقديم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب عفو رسمي، حيث تراوحت المواقف بين ترحيب داخل الائتلاف وهجوم حاد من جانب المعارضة، ما عمّق الشرخ القائم حول محاكمته التي استمرت سنوات.
في صفوف الائتلاف، أعربت النائبة تالي غوتليب عن غضبها من خطوة نتنياهو، ووجّهت له رسالة عبر منصة X قالت فيها: "سيدي رئيس الحكومة، لماذا تقديم طلب عفو؟ لماذا إتاحة الفرصة لاتهامك بباطل؟ أشعر بالألم والإهانة أمام هذا الطلب. قضيتك أكبر منك ومنّا جميعًا، وكنت الدليل الأوضح على الاضطهاد الذي تتعرض له والتيار اليميني. مؤسف أن يُحرَم الرأي العام من الانتقادات الحادة التي كان يمكن أن يوجّهها الحكم لقيادات النيابة العامة".
وفي المقابل، رحّب رئيس الائتلاف أوفير كاتس بالخطوة، واعتبر أنها "قرار شجاع"، مضيفًا أن "الجميع يعلم أن المحاكمة السياسية تنهار، وأن رئيس الوزراء كان قادرًا بسهولة على إثبات براءته من حملة الملاحقة، لكنه اختار هذه الطريق لأجل توحيد الدولة وتحقيق المصالحة".
كذلك أيّد وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهر طلب العفو، قائلاً: "حان الوقت لإنهاء ملحمة محاكمة نتنياهو التي تمزّق الشعب. القرار الصحيح هو الاستجابة لطلب العفو من أجل مستقبل الدولة".
في المقابل، شنّت المعارضة هجومًا لاذعًا. رئيس المعارضة يائير لابيد دعا الرئيس يتسحاق هرتسوغ إلى رفض طلب نتنياهو ما لم يستوفِ شروطًا واضحة، وقال: "لا يمكن منح نتنياهو عفوًا من دون اعتراف صريح بالذنب، وإبداء الندم، والانفصال الفوري عن الحياة السياسية." وأضاف أن أي عفو لا يستند إلى هذه الأسس سيُعد تقويضًا لمنظومة العدالة.
رئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان قال إن "من يطلب العفو هو مذنب"، وأضاف: "بعد ثماني سنوات من المحاكمة، ومن دون انهيار الملفات، يطلب نتنياهو العفو. الصفقة الوحيدة المطروحة هي أن يتحمل المسؤولية، يعترف بالذنب، يترك السياسة ويحرر الدولة والشعب".
أما النائب غلعاد كريب فاعتبر أن نتنياهو "انتظر ثماني سنوات ليثبت أن لا شيء كان ضده"، لكنه "يطلب الآن العفو بدلًا من إثبات ادعاءاته". وأضاف: "لا يتحمّل المسؤولية، لا يعترف بشيء، ويتحدث فقط عن المصالحة والمصلحة الوطنية".
من جهته، حمّل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مسؤولية ما وصفه بـ"الملاحقة" للنيابة العامة، مؤكدًا دعمه لطلب العفو رغم اعتقاده بأن نتنياهو "يستحق براءة كاملة"، وقال: "المحاكمة تحولت إلى محاكمة للنيابة العامة نفسها، وأفعالها تتكشف أسبوعًا بعد أسبوع. ومن منطلق مسؤولية وطنية، أؤيد طلب العفو".
وبين اتهامات بالهروب من العدالة ودعوات لإغلاق الملف من أجل "وحدة الدولة"، يشتد الجدل السياسي حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في إسرائيل، فيما يترقّب الجميع قرار رئيس الدولة بشأن طلب العفو المثير للانقسام.
ديوان هرتسوغ: نتنياهو طلب العفو
وقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل وقت قصير طلب عفو إلى رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، وذلك عبر قسم الشؤون القانونية في مكتب الرئيس، بواسطة محاميه، المحامي عاميت حداد.
ويجري الآن تحويل الطلب، وفقًا للإجراءات المعمول بها، إلى دائرة العفو في وزارة العدل، التي ستجمع آراء الجهات المختلفة المختصة في الوزارة. وبعد ذلك، تُحال هذه الآراء إلى المستشارة القانونية لمكتب الرئيس وفريقها لإعداد رأي قانوني إضافي يرفع إلى رئيس الدولة للنظر فيه.
وأكد مكتب رئيس الدولة أن هذه الطلبية تُعد استثنائية وتحمل تداعيات كبيرة. وعقب استلام كافة الآراء القانونية، سيقوم رئيس الدولة بدراستها بمسؤولية وجدية بالغة. ويشمل الطلب وثيقتين: رسالة مفصلة موقعة من قبل محامي نتنياهو، ورسالة أخرى موقعة من قبل رئيس الوزراء نفسه. ونظرًا لأهمية هذه الطلبية وتأثيرها الاستثنائي، تم نشر الوثيقتين بشكل علني للجمهور.
نتنياهو: متطلبات المرحلة "وحدة وطنية"
نتنياهو: متطلبات المرحلة "وحدة وطنية"
وفي أول رد فعل له، وفي تصريح مصوّر، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة إلى الجمهور، قال فيها إن نحو عشر سنوات مضت منذ بدء التحقيقات معه، وإن محاكمته الجارية منذ نحو ست سنوات "مرشحة للاستمرار سنوات طويلة أخرى". وأكد أن "شهادات وبيّنات تبرئه وتدحض الادعاءات ضده تتكشف داخل المحكمة"، على حدّ قوله، مضيفًا أن بعض أسس الملف "صيغت عبر ارتكاب مخالفات خطيرة"، بحسب ادعائه.
وأوضح نتنياهو أن مصلحته الشخصية كانت تتمثل في "مواصلة العملية القضائية حتى نهايتها، والوصول إلى تبرئة كاملة"، لكنه شدّد على أن "الواقع الأمني والسياسي والمصلحة الوطنية تفرض مسارًا مغايرًا".
وقال إن إسرائيل تقف أمام "تحديات هائلة وفرص كبيرة"، وإن مواجهة هذه المرحلة تتطلب "وحدة وطنية"، بينما "استمرار المحاكمة يمزق المجتمع ويعمّق الاستقطاب". وأعرب عن ثقته بأن "إنهاء المحاكمة فورًا سيساهم كثيرًا في خفض التوتر ودفع المصالحة الشاملة التي تحتاجها الدولة".
وأشار نتنياهو إلى أنه تردد طويلًا قبل اتخاذ القرار، لكن ما وصفه بـ"التطورات الأخيرة" حسمت توجهه، وعلى رأسها قرار هيئة القضاة الذي يلزمه بالإدلاء بشهادته ثلاث مرات أسبوعيًا، وهو ما اعتبره "مطلبًا غير ممكن ولم يُفرض على أي مواطن آخر".
كما لفت إلى "توجهات متكررة" من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى رئيس الدولة، والتي دعا فيها ترامب، وفق نتنياهو، إلى "إنهاء فوري للمحاكمة من أجل تعزيز مصالح حيوية مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضمن نافذة زمنية قد لا تتكرر".
وفي ختام رسالته، قال نتنياهو: "مرة بعد مرة منحتموني ثقتكم في انتخابات ديمقراطية كي أقود الحكومة وأحقق أهدافًا تاريخية". وأعلن أن محاميه قدّموا اليوم طلب عفو رسمي إلى رئيس الدولة، معربًا عن أمله بأن يدعم هذا الخطوة "كل من يضع مصلحة الدولة أمام عينيه".
"جودة الحكم": نطالب هرتسوغ برفض الطلب
من جهة أخرى، أصدرت الحركة من أجل جودة الحكم بيانًا شديد اللهجة موجّهًا للرئيس هرتسوغ، دعت فيه إلى رفض طلب نتنياهو بشكل فوري وحاسم.
وجاء في البيان أن "منح العفو لشخص يواجه ثلاثة لوائح اتهام خطيرة تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة سيُسقط مبدأ المساواة أمام القانون."
وأضافت الحركة أن العفو في خضم مسار قضائي قائم يمثّل "ضربة قاتلة" لسيادة القانون وروح الديمقراطية الإسرائيلية، معتبرة أن منح عفو لرئيس وزراء متهم بجرائم خطيرة سيبعث رسالة مفادها أن هناك مواطنين يقفون فوق القانون.
وتابعت الحركة: "إسرائيل دولة ذات سيادة وتملك جهازًا قضائيًا مستقلًا ومتينًا. المصير القضائي لأي مواطن— بما يشمل رئيس الوزراء—يجب أن يُحدد حصريًا وفق الأدلة أمام محكمة مستقلة. ندعو الرئيس هرتسوغ للثبات أمام الضغوط وحماية الديمقراطية الإسرائيلية."
ترامب يطلب العفو لنتنياهو
في أوساط الشهر الحالي، تلقى الرئيس يتسحاق هرتسوغ رسالة رسمية موقَّعة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دعا فيها إلى النظر في إمكانية منح عفو لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وجاء في بيان صادر عن مكتب الرئيس هرتسوغ أن "رئيس الدولة يكنّ تقديراً كبيراً للرئيس ترامب، ويعبّر مجدداً عن امتنانه لدعمه غير المشروط لإسرائيل، ولدوره البارز في إعادة المخطوفين، وتغيير ملامح الشرق الأوسط وقطاع غزة، وتعزيز أمن دولة إسرائيل". وأضاف البيان الذي صدر بتاريخ 12/11/2025 أن "رئيس الدولة أوضح في أكثر من مناسبة أن أي شخص يرغب في الحصول على عفو رئاسي، عليه أن يتقدّم بطلب رسمي وفقاً للإجراءات والقوانين المعمول بها".
وفي شهر أكتوبر الماضي، وأثناء زيارته لإسرائيل وإلقاه خطابا من على منصة الكنيست، طلب ترامب من الرئيس الإسرائيلي نح نتنياهو العفو عنه من التهم المنسوبة له.
First published: 12:22, 30.11.25




