أظهرت معطيات دائرة الإحصاء المركزية أن النصف الأول من العام الجاري شهد انخفاضًا ملحوظًا في نسبة المواليد في المجتمع العربي، هو الأعمق منذ عقد كامل، وذلك مقابل ارتفاع طفيف في نسبة الولادة لدى المجتمع اليهودي للمرة الأولى.
مها كركبي: تحولات اجتماعية واقتصادية تعيد رسم المشهد الديمغرافي في إسرائيل
هذا النهار مع محمد مجادلة
10:06
وفي حديث خاص لراديو الناس، أوضحت الدكتورة مها كركبي صباح، المحاضِرة في العلوم الاجتماعية بجامعة بن غوريون ومديرة وحدة الأبحاث في المنتدى الاقتصادي العربي، أن هذه الأرقام ليست مجرد بيانات إحصائية بل تعكس تحولات اجتماعية عميقة داخل المجتمع العربي. وقالت: "إذا نظرنا تاريخيًا، نجد أن المرأة الدرزية مثلًا كانت تنجب في الستينيات نحو ثمانية أطفال، أما اليوم فانخفض المعدل إلى أقل من طفلين للمرأة الواحدة. كذلك نشهد تراجعًا لدى النساء المسيحيات والمسلمات، حيث تراجع معدل الولادات لدى المسلمات إلى أقل من ثلاثة أطفال لكل امرأة"، واصفة ذلك بالتحول الكبير.
تفكك عائلي وقلق من المسؤوليات
وأضافت كركبي صباح أن هذا الانخفاض يرتبط بظواهر اجتماعية بارزة، أبرزها الفردانية وتفكك العائلة الممتدة لصالح العائلة النواتية، ما يزيد من المسؤوليات الاقتصادية والتربوية عليها. وأوضحت: "لم يعد حجم العائلة الكبيرة مرغوبًا كما في السابق، بل بات التركيز على نوعية التربية والقدرة على توفير احتياجات الأبناء في ظل التحديات المعيشية".
وعن سؤال ما إذا كان انخفاض معدلات الولادة تطورًا إيجابيًا أو سلبيًا، أجابت: "هذا مسار ديمغرافي عالمي مرّت به المجتمعات الغربية منذ السبعينيات، ونحن نمرّ به الآن بتأخير زمني كبير. تصنيفه كإيجابي أو سلبي يعتمد على زاوية النظر: الخطاب الليبرالي النيوليبرالي يراه مؤشرًا على المسؤولية الاقتصادية ودخول النساء سوق العمل، في حين أن السياق السياسي والديمغرافي في إسرائيل يجعل المسألة أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل اعتبار معدلات الإنجاب عاملًا في الصراع الديمغرافي القائم".
الأوضاع الاقتصادية عامل حاسم
أما بالنسبة لثبات معدل الولادة لدى المجتمع اليهودي، الذي يبلغ نحو ثلاثة أطفال للمرأة، فقد عزت كركبي صباح ذلك إلى البعد الأيديولوجي والديني، مشيرة إلى أن: "أكثر من 50% من المجتمع اليهودي يعرّفون أنفسهم كمتدينين أو تقليديين، ما ينعكس مباشرة على أنماط الإنجاب. اللافت أن الزيادة الأخيرة لم تأتِ من الفئات الحريدية، بل من الشرائح العلمانية والتقليدية التي تتأثر بسياسات داعمة للعائلة والأمهات، وبخطابات قومية ترى في العائلة المكوّنة من ثلاثة أطفال النموذج المفضل".
وختمت بالقول إن الأوضاع الاقتصادية والاستهلاكية تلعب دورًا حاسمًا في قرارات الإنجاب لدى العائلات العربية، مضيفة: "اليوم يُنظر إلى الطفل باعتباره مسؤولية اقتصادية ونفسية واجتماعية كبيرة، وليس فقط إضافة طبيعية للعائلة كما كان في الماضي. ومع وجود نحو 40% من العائلات العربية تحت خط الفقر، فإن هذه الاعتبارات تدفع الكثيرين إلى تقليص عدد الأبناء والتركيز على نوعية تربيتهم"، معتبرة أن هذه التحولات تجعل قضية الولادة في المجتمع العربي أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه في الإحصاءات.