شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية أمس حدثًا وُصف بالتاريخي في الشرق الأوسط، إذ وُقّع اتفاق رسمي لإنهاء الحرب في قطاع غزة، بحضور أكثر من عشرين زعيم دولة، من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأمير قطر، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى جانب ممثلين عن تركيا والأمم المتحدة.
برونشتاين: أبو مازن مستعد للسلام وخطاب في الكنيست
هذا النهار مع سناء حمود ومحمد مجادلة
10:45
الاتفاق، الذي رعته مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة، ينص على وقف شامل لإطلاق النار، وبدء مرحلة إعادة إعمار غزة بإشراف دولي، وتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، إلى جانب التزام بإطلاق مسار سياسي جديد خلال الأشهر المقبلة.
الدور الفرنسي: من المبادرة إلى الإصرار على اللقاء
وفي حديث خاص لراديو الناس، كشف عوفر برونشتاين، مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، عن تفاصيل دقيقة من وراء كواليس القمة، مؤكدًا أن الدبلوماسية الفرنسية لعبت الدور المحوري في هندسة الاتفاق ودفع الأطراف للجلوس على الطاولة.
وقال برونشتاين:"إذا كان ترامب هو من قدم الطبق على الطاولة، فإن من أعد المكونات وطهاها هي فرنسا بمشاركة السعودية ومصر وقطر."
وأضاف أن اللقاء جاء نتيجة عام كامل من الاتصالات الفرنسية–العربية المكثفة، بدأت بمبادرة طرحتها باريس العام الماضي بدعم سعودي، وتحوّلت إلى خطة عملية بعد اللقاءات التي أجراها ماكرون وترامب في نيويورك وواشنطن خلال الأشهر الأخيرة.
مصافحة لم تكن في الحسبان: ماكرون فرضها على ترامب
في تصريح خاص لـراديو الناس:"ترامب لم يرغب بلقاء أبو مازن ومصافحته بالأمس في شرم الشيخ، ولكن الرئيس ماكرون أصرّ على ذلك حتى قبل ترامب."
وأوضح أن ماكرون مارس ضغوطًا مباشرة على نظيره الأميركي لضمان مشاركة الرئيس الفلسطيني في القمة، وحرص على أن تكون المصافحة العلنية بين ترامب وعباس رمزًا لبداية مسار جديد للحوار السياسي.
وقال برونشتاين إن "ماكرون أراد أن يوجّه رسالة مزدوجة: إلى إسرائيل بأن السلام لا يمكن أن يتم دون الفلسطينيين، وإلى واشنطن بأن القيادة الأوروبية لا تزال لاعبًا أساسيًا في صياغة مستقبل المنطقة".
أبو مازن: جاهز للسلام وخطاب في الكنيست
وفي مفاجأة أخرى، كشف برونشتاين عن موقف مباشر من الرئيس الفلسطيني خلال القمة قائلاً:"أبو مازن قال لي في شرم الشيخ إنه مستعد وينتظر دعوة من نتنياهو لإلقاء خطاب في الكنيست يفتح آفاق السلام مع إسرائيل."
وأضاف أن الرئيس الفلسطيني أكد استعداده "للانخراط في مفاوضات جدية على أساس دولتين، ونزع سلاح الفصائل، وإجراء انتخابات فلسطينية شاملة".
وبرأي المستشار الفرنسي، فإن إصرار عباس على الخطاب في الكنيست يمثل "اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع مبادرة سياسية ناضجة بدلًا من الاكتفاء بإدارة الأزمة".
ردود الفعل: بين الأمل والشكوك
في الجانب الإسرائيلي، قلّلت جهات سياسية من أهمية القمة، معتبرة أن الاتفاق “رمزي” طالما لم يوقّع بين الطرفين المتنازعين مباشرة، بينما رحّبت أطراف عربية ودولية بالخطوة باعتبارها "انطلاقة نحو مرحلة جديدة من الاستقرار الإقليمي".
وفي الشارع الفلسطيني، رُحّب بالاتفاق بحذر، إذ يرى محللون أن "نجاحه يعتمد على تطبيق بنوده ميدانيًا، ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية بالكامل، وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود".
تحليل: بداية مسار جديد أم مناورة سياسية؟
يرى خبراء أن قمة شرم الشيخ قد تشكّل اللحظة الأكثر أهمية منذ سنوات في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، لكنها لا تزال محاطة بتساؤلات حول مدى التزام الأطراف، خصوصًا إسرائيل، ببنود الاتفاق.
ويشير مراقبون إلى أن الدور الفرنسي–السعودي في صياغة الاتفاق يعكس تحولًا في مركز الثقل الدبلوماسي في الشرق الأوسط، حيث لم تعد واشنطن الطرف الوحيد القادر على رعاية الحلول السياسية.
ويخلص التقرير إلى أن قمة شرم الشيخ "أعادت ملف غزة إلى طاولة السياسة الدولية بعد أن ظل حبيس الميدان"، لكنها أيضًا "اختبار حقيقي للقيادات الإسرائيلية والفلسطينية: هل ستُترجم المصافحة إلى سلام فعلي؟ أم تبقى مجرد لحظة بروتوكولية عابرة؟".