نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية شهادة لضابط خدم في قطاع غزة، كشف فيها عن ممارسة ممنهجة داخل الجيش الإسرائيلي تقوم على إجبار مدنيين فلسطينيين على دخول المنازل والأنفاق قبل القوات، فيما يعرف داخليًا باسم "بروتوكول البعوض"، وهي ممارسة غير رسمية لكنها شائعة على نطاق واسع.
وحدات ميدانية تشغل فلسطينيين تحت الإكراه
الضابط، الذي خدم في غزة لمدة تسعة أشهر، أوضح أن "بروتوكول البعوض" بدأ استخدامه في ديسمبر 2023، قبل أن يتحول إلى إجراء شائع في صفوف القوات المقاتلة. ووفق الشهادة، فإن معظم الوحدات العسكرية في الميدان تحتفظ بفلسطيني يُعرف بـ"الشاويش"، يُجبر على الدخول إلى المباني والتأكد من خلوّها من مقاتلين أو متفجرات، قبل السماح للقوات بالدخول.
وبحسب الشهادة، يتم توزيع ما لا يقل عن أربعة "شاويشين" على كل سرية، أي 12 في الكتيبة، وأكثر من 36 في كل لواء. واصفًا ذلك بـ"تشغيل جيش فرعي من العبيد"، في إشارة إلى تحويل المدنيين لمجرد أدوات ميدانية.
الضابط أشار إلى أن أحد قادة الألوية قدّم هذا البروتوكول لقائد الفرقة بوصفه "إنجازًا عملياتيًا ضروريًا"، ما يدل على إقرار القيادة العليا باستخدام هذا الأسلوب، بما في ذلك رئيس الأركان السابق وقائد القيادة الجنوبية السابق، اللذَين أُبلغا بالممارسة وفق الشهادة.
تحقيقات محدودة واتهامات بالتستر
في أغسطس 2024، نُشرت شهادات مشابهة في الصحيفة وفي منظمة "كسر الصمت"، إلا أن الشرطة العسكرية الإسرائيلية لم تفتح سوى ستة تحقيقات في هذا الشأن، رغم الشهادات التي تؤكد أن استخدام المدنيين كدروع بشرية يتم بشكل يومي. الضابط اعتبر أن "اختيار ست حالات فقط هو جزء من محاولة للتغطية وليس للمحاسبة"، وأضاف: "لو كانت هناك نية جادة للتحقيق، لكان عدد القضايا يتجاوز الألف".
الشهادة تكشف أن استخدام الفلسطينيين لم يكن من باب الضرورة الأمنية، بل بسبب رغبة القيادة في تحقيق نتائج ميدانية سريعة، على حساب حياة المدنيين الذين يُجبرون على دخول بيوت مشبوهة دون تدريب أو وسائل حماية.
أزمة أخلاقية وتحذير من المحاسبة الدولية
الضابط أكد أن الجيش كان يملك بدائل أكثر أمانًا، مثل استخدام الروبوتات أو الكلاب أو الطائرات المسيرة لتفتيش المنازل، لكنه اختار الوسيلة الأسرع على حساب أخلاقيات القتال. وأضاف: "الضباط الكبار سمحوا بذلك، والسياسيون لم يبالوا، ففقدنا بوصلتنا الأخلاقية".
كما تحدث عن حادثة أُجبر فيها رجل مسن على دخول منزل تبين لاحقًا وجود مقاتل فيه، وحين أدرك الرجل الخطأ الذي ارتكبه تحت الإكراه، أصيب بالهلع. الضابط وصف المشهد بأنه "كسر لكل ما تبقى من إنسانية فينا"، محذرًا من التأثيرات النفسية طويلة الأمد على الجنود والمجتمع الإسرائيلي بأسره.
وفي ختام الشهادة، دعا الضابط إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، محذرًا من أن "ما يحدث هو جريمة بموجب القانون الدولي، والجيش بات يعترف بحدوثها بشكل يومي"، ما قد يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية في المحاكم الدولية.