تتصاعد المخاوف في المنطقة من اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران، في ظل غياب المفاوضات والرقابة الدولية والغموض الذي يكتنف مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب.
وبينما يؤكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الضربات التي نفذتها واشنطن في الصيف الماضي "دمّرت" برنامج إيران النووي، شكك محللون ومسؤولون إقليميون في ذلك، واعتبروا أن حرباً جديدة باتت مسألة وقت، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، اليوم (الأحد).
جمود خطير
الاتفاق النووي المبرم عام 2015 انتهت صلاحيته الشهر الماضي، وأُعيد فرض العقوبات القاسية على طهران، بينما توقفت المفاوضات بشأن برنامجها النووي. وتشير تقديرات استخباراتية إلى أن لدى إيران مخزوناً من اليورانيوم المخصب يكفي لإنتاج 11 سلاحاً نووياً، إما دُفن تحت الأنقاض كما تقول طهران، أو نُقل إلى موقع آمن كما تزعم إسرائيل.
وتعمل إيران -وفق تقارير استخباراتية- على إنشاء موقع تخصيب جديد يُعرف باسم "جبل المعول"، وترفض السماح للمفتشين الدوليين بدخوله أو زيارة أي موقع غير المعلَن.
هذا الواقع خلق جموداً خطيراً، بلا مفاوضات أو إشراف مستقل أو وضوح بشأن ما تملكه إيران من مواد نووية، ما يعزز الاعتقاد في الخليج بأن إسرائيل ستشن هجوماً جديداً على إيران، استناداً إلى قناعتها الراسخة بأن برنامجها النووي يمثل تهديداً وجودياً.
"المهمة لم تنجز بعد"
ويرى مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، أن طهران تستعد لجولة قتال أشدّ من تلك التي وقعت في يونيو/حزيران، موضحاً أن مصانع الصواريخ الإيرانية تعمل على مدار الساعة، وأنها "تعتزم إطلاق ألفي صاروخ دفعة واحدة لإغراق الدفاعات الإسرائيلية، وليس خمسمئة على مدى 12 يوماً كما في الجولة السابقة".
ورغم عدم وجود مؤشرات على هجوم وشيك، يضيف واعظ أن "إسرائيل تعتبر المهمة غير منجزة ولا ترى سبباً يمنعها من استئناف الحرب، بينما تضاعف إيران استعداداتها للجولة المقبلة".
وتبدو إيران اليوم أكثر عزلة عن الغرب من أي وقت منذ عقود، في حين تعزز قوى إقليمية مثل السعودية ومصر والإمارات نفوذها لدى واشنطن والرئيس ترامب من خلال العلاقات الاقتصادية والتنسيق السياسي، خاصة بشأن تسوية حرب غزة. كما يستعد الرئيس السوري الجديد لزيارة البيت الأبيض طلباً لدعم أميركي، بعدما انهار تحالف دمشق مع طهران بسقوط نظام الأسد العام الماضي.
الدول العربية لا تريد حربا جديدة
لكن هذه الدول العربية تسعى في الوقت نفسه إلى الحفاظ على علاقاتها مع إيران، بحسب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتم هاوس" سانام فاكيل، التي تقول إن "الدول العربية لا تريد حرباً جديدة، وتدرك قدرة إيران على زعزعة الاستقرار عبر قواتها ووكلائها في لبنان والعراق واليمن والخليج".
وتوضح سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، أن "إيران أضعف مما كانت عليه منذ الغزو الأميركي للعراق، لكنها ليست عديمة التأثير، وضعفها يجعلها أكثر خطورة، وأسهل على دول الخليج في الوقت نفسه للتعامل معها واحتوائها".
وتحذر إسرائيل منذ يونيو/حزيران من أنها ستهاجم إيران مجدداً إذا اقتربت من إنتاج سلاح نووي، بينما تنفي طهران ذلك. ويعتقد خبراء أن الجيش الإسرائيلي يرى أن ضرباته السابقة لم تدمر البنية النووية بالكامل لأن ترامب أنهى الحرب قبل تحقيق الأهداف كاملة.
هل تتجاوز طهران الخط الأحمر؟
ويقول الباحث في "مركز التقدم الأميركي" هَـ. أ. هيليَر إن "إسرائيل تريد احتواء البرنامج النووي الإيراني، ولن تحصل على ذلك عبر المفاوضات، لذا فهي تخطط على الأرجح لضربة جديدة، بمجرد أن تتجاوز طهران الخط الأحمر".
في المقابل، تسعى الدول العربية للتعاون مع ترامب لوضع قيود على إسرائيل التي تطمح -بعد تدميرها غزة وحماس وحزب الله وإضعافها إيران- إلى ترسيخ هيمنتها الإقليمية. ويحثّ مسؤولون عرب واشنطن على استئناف المفاوضات النووية، رغم ضعف فرص نجاحها.
واشنطن قدمت "شروطا مستحيلة"
وأكد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في خطاب الثلاثاء، أن "الطبيعة المتغطرسة لأميركا لا تقبل إلا بالاستسلام"، في إشارة إلى رفضه لأي مفاوضات جديدة مع واشنطن. بينما قال وزير الخارجية عباس عراقجي إن واشنطن قدّمت "شروطاً مستحيلة" تشمل وقف التخصيب كلياً وإجراء محادثات مباشرة، مؤكداً رفض إيران لذلك لكنها تبقى منفتحة على "حوار غير مباشر" بشروط تشمل ضمانات ضد أي هجوم جديد وتعويضات عن أضرار الحرب، وهي شروط ترفضها الإدارة الأميركية.
ويشير واعظ إلى أن السجال داخل إيران يتمحور حول خيارين: التفاوض مع ترامب لتخفيف الضغط الاقتصادي، أو التصعيد لمواجهة ما يعتبرونه عداءً أميركياً وإسرائيلياً متجذراً. لكنه يضيف أن "الطرفين في طهران يتفقان على أن جولة جديدة من الصراع مع إسرائيل لا مفر منها".
نافذة محدودة لصفقات محتملة
وفي تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز"، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إن معظم مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب نجا من الحرب، لكنه لا يمكن التأكد من كميته من دون عمليات تفتيش، مقدّراً الكمية بنحو 400 كيلوغرام مخصبة بنسبة 60%، وهي قريبة من الدرجة العسكرية.
في هذه الأثناء، تركّز الدول العربية اهتمامها على غزة، بينما تسعى السعودية لتعزيز أمنها عبر معاهدة دفاع مشترك مع باكستان ووعود بضمانات أميركية مشابهة لتلك التي حصلت عليها قطر بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
وتختم فاكيل بالقول إن "هناك نافذة محدودة لصفقات محتملة مع إيران الضعيفة والمعزولة، لكنّ الخشية تكمن في أن أي حرب جديدة مع إسرائيل ستجعل طهران أقلّ ضبطاً لنفسها وأكثر اندفاعاً".




