تتجه أنظار العالم بأسره إلى دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، وذلك بعد عامين شكّلا نقطة تحوّل استراتيجية حول صورة إسرائيل ومكانتها العالمية من جهة، وبين حجم التضامن العالمي تجاه الشعب الفلسطيني في ظلّ أرقام رسمية تحدثت عن أن ربع مليون فلسطيني بين قتيل وجريح في هذه الحرب التي توسّعت نيرانها لتطال دولا في الشرق الأوسط.
ومع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، يترقب الشارع الإسرائيلي بأسره ردّ فعل الحكومة برئاسة نتنياهو، خاصة وأن الجميع يُجمع على أن وقف الحرب نهائيا سيقود باحتمال كبير إلى انتخابات برلمانية، وهنا يُطرح السؤال: ما هي السيناريوهات المتوقّعة بعد إعلان ترامب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ
السيناريو الأول: اتفاق نهائي يقود لانتخابات مبكّرة
ما يُعرف حتى الآن، أن الاتفاق يتضمن عدة مراحل وصولا إلى وقف الحرب على غزة وإنجاز اتفاق سلام في الشرق الأوسط  (كما وصفه ترامب)، وعلى أن يبدأ بمرحلة أولى تتضمن إنجاز اتفاق تبادل، بحيث تسلّم حماس كافة المخطوفين أحياء وأموات للجانب الإسرائيلي، مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين وبينهم ذووا المؤبدات. هذه قضية كانت خلافية باستمرار بين أقطاب ائتلاف نتنياهو.
إلا أن الشروع بتنفيذ باقي المراحل من الصفقة فسيدق ناقوس الخطر على مستقبل نتنياهو السياسي، بحيث أن وقف إطلاق النار بشكل نهائي، والدخول بمسار سياسي مدعوما من دول غربية وعربية وعلى رأسها الولايات المتحدة هي خطوات تتناقض مع رغبة مركّبات ائتلاف نتنياهو، خاصة سموترتش وبن غفير اللذان يدعوان جهارة للاستيطان في الضفة الغربية وغزة، وضم كافة الأراضي الفلسطينية للجانب الإسرائيلي، فكيف سيقبلان بمجرد فكرة الشروع بمسار سياسي من أجل اتفاق سلام وإقامة دولة فلسطينية؟ بل وإن نتنياهو ذاته لن يقبل بذلك.
هذا التهديد المتمثل بسموترتش وبن غفير، إضافة الى غضب الحريديم من عدم تشريع قانون إعفاء طلّاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش، ورد الفعل الداخلي في حزب الليكود، كفيل في أن يقود لانتخابات كنيست مبكّرة التي قد تكون وفقا لهذا السيناريو خلال الدورة الشتوية أي حتى شهر آذار.
هذا السيناريو الأفضل للجانب الفلسطيني بما يشمل حماس، بحيث أنه سينجح في اكتساب إنجاز سياسي بارز ثمنه كان باهظا جدّا، خاصة بعد الاعتراف الجارف مؤخرا في الدولة الفلسطينية.
السيناريو الثاني: ائتلاف هش أو بديل ائتلافي بغطاء التهديد الإيراني
نتنياهو الذي راوغ بسلسلة حروب أخطرها كانت على إيران، قد يبحث من جديد شنّ حروب إقليمية كغطاء لتنفيذ اتفاق وقف الحرب على غزة، وتأجيل استكمال باقي مراحله، بحيث أن أطماع اليمين في حزام أمني منزوع السلاح حتى شمال نهر الليطاني في لبنان، السيطرة الأمنية على جبل الشيخ الذي يطلّ على البقاع اللبناني ويسيطر على مساحة واسعة من الحدود بين سوريا ولبنان، وإنهاء برنامج إيران النووي، وأيضا ملف السويداء في سوريا لا زالت مشاريع استراتيجية لليمين الحاكم.
البرنامج النووي الإيراني، الحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن، هي ملفات يمكنها أن تقود لتشكيل حكومة وحدة وطنية من الائتلاف والمعارضة، وبالتالي أن يكسب نتنياهو شرعية مهاجمة إيران (وغيرها) بغطاء من المعارضة هو احتمال وارد، وبذلك قد يدفع نتنياهو إلى تأجيل موعد الانتخابات المبكّرة لموعد آخر يكون فيها قد تجنّب تداعيات صفقة التبادل، وأن يشنّ حربا أو حروبا بغطاء من المعارضة، وبمثل هذا السيناريو قد تكتسب حروبه شرعية، من الشارع ومن الرأي العام إسرائيليا وعالميا.
لماذا يمكن للمعارضة الانضمام لحكومة برئاسة نتنياهو؟ لأنها ببساطة قطعت وعدا بأنها ستعطي نتنياهو شبكة أمان لتنفيذ اتفاق تبادل من خلال ضمان صموده لمدة 6 أشهر. فترة 6 أشهر قد تمكّن نتنياهو عرقلة التقدم بالمراحل الأخرى من الصفقة وخوض انتخابات كنيست بتوقيت نتنياهو المناسب تحت بند استكمال القضاء على حماس في غزة.
بمثل هذا السيناريو يمكن لحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية إعادة تموضع قواتها والتحضّر لكل السيناريوهات، في حين تضمن قادتها في الخارج حماية قد تكون مؤقتة.
السيناريو الثالث: نكث للعهود يقود لحرب قد تكون شاملة
سموترتش وبن غفير اللذان هاجما كل اتفاق محتمل بين إسرائيل وحماس يلتزمان الصمت ولا يدعوان بصراحة إلى إسقاط الحكومة، وهذا قد يشير إلى أن نتنياهو قطع وعودا لهما بالعودة بقوّة لاستكمال ما بدأوا به في الحرب. هذا يعني أن يتم إنجاز صفقة التبادل وتسليم كافة المختطفين إلى إسرائيل، ومن ثم مجرّد حجّة مثل إطلاق قذيفة أو اكتشاف نفق كفيل بأن يعطي لنفسه الشرعية بالعودة بقوّة الى الحرب والتنكّر لكافة جهود دول العالم التي انصبّت لوقف الحرب.
بمثل هذا السيناريو ، لكنّه غير مستبعد بتاتا وفقا لكثير من الصحفيين والمحللين السياسيين، من شأنه أن يشعل المنطقة برمتها، بحيث أن مثل هذه الخطوة قد تكون مغامرة كبيرة قد يقدم عليها نتنياهو، كما غامر بمهاجمة إيران. مجرّد استئناف الحرب بعد إنجاز اتفاق التبادل فإن ذلك سيؤدي لجر المنطقة إلى حرب شاملة قد تكون نتائجها كارثية، بينما سيكون العالم مُحرجا بأفعال نتنياهو.
الشارع الإسرائيلي منهك، والاقتصاد مُصاب في صميمه، وصورة إسرائيل العالمية تحطّمت، في حين لا تهدأ المظاهرات في أوروبا ومدن أخرى كثيرة حول العالم، كل ذلك سيجعل نتنياهو يدفع ثمنا غاليا في حال أقدم على مغامرة كهذه. 

