مع بداية كل موسم أعراس، تعود إلى الواجهة شكوى متكررة من سكان العديد من البلدات العربية، حيث تتحول ليالي الصيف إلى ساحة صراع بين حق الفرح وحق الراحة. الأصوات المرتفعة ومكبرات الصوت المستخدمة في الأعراس، وخاصة تلك التي تُقام في ساحات المنازل، لا تتوقف أحيانًا حتى بعد منتصف الليل، مما يثير غضب المواطنين ويطرح تساؤلات حول دور السلطات المحلية، والمسؤولية المجتمعية، وأثر هذه الظاهرة على الصحة العامة.
خلايلة: “لا نعارض الفرح، ولكننا نرفض فرضه علينا بصوتٍ مؤذٍ”
هذا النهار مع شيرين يونس وفراس خطيب
06:10
لمى خلايلة: “لا نعارض الفرح، ولكننا نرفض فرضه علينا بصوتٍ مؤذٍ”
في حديث خاص لـ"راديو الناس"، قالت لمى خلايلة، وهي مواطنة من بلدة مجد الكروم، إنها تعبّر باسم كثير من الأهالي الذين يعانون بصمت. وأوضحت:“أنا لا أتحدث فقط عن نفسي، بل عن مئات وربما آلاف الناس في بلداتنا، الذين يشعرون أن قراهم لم تعد بيئة صالحة للعيش، بسبب هذا النوع من التلوث السمعي الليلي”.
وأضافت:“ليلة بعد ليلة، نضطر إلى مجاراة أصوات مكبرات الصوت التي تملأ الأحياء، ولا أحد يسأل عن كبار السن أو المرضى أو حتى الأطفال الذين يحتاجون إلى النوم. نحن لا نقول للناس لا تفرحوا، لكن نسأل: لماذا يجب أن يكون الفرح مرادفًا للصوت العالي؟”.
وأشارت خلايلة إلى أنها واجهت مواقف صعبة العام الماضي، حين كانت ابنتها مريضة وتحتاج إلى الراحة، وقالت:“كانت الساعة الواحدة ليلًا، والصوت لا يُحتمل. حاولت تهدئة ابنتي التي لم تستطع النوم. شعرت بالعجز، لأن أبسط حقوقنا، النوم في بيتنا، لم يكن متاحًا”.
وأوضحت خلايلة أن الأعراس التي تُقام في ساحات البيوت، لا تخضع لأي تنظيم، بعكس القاعات التي تُجبر قانونيًا على إنهاء الموسيقى في الساعة 11 ليلًا. وتابعت:“في القاعات هناك قانون، لأن القاعات أحيانًا قريبة من بلدات يهودية، وتُفرض رقابة صارمة لحماية السكان هناك، أما نحن فليست هناك جهة تدافع عن راحتنا”.
سليم صليبي: “نحن لسنا ضد الفرح، لكننا بحاجة إلى وعي داخلي وتنظيم ذاتي”
من جانبه، أقرّ رئيس مجلس محلي مجد الكروم، سليم صليبي، بوجود هذه المشكلة، مشيرًا إلى أنها أصبحت نقاشًا مجتمعيًا يتجدد كل عام. وقال في لقاء لراديو الناس:“هذه الظاهرة تحتاج إلى علاج مجتمعي وثقافي أكثر من كونه أمنيًا أو قانونيًا. نحن بحاجة إلى أن نحمي بعضنا البعض، لا أن ننتظر الشرطة”.
صليبي كشف أن المجلس المحلي سبق وتوصل إلى تفاهمات مع أصحاب القاعات لوقف الموسيقى في الساعة 11 ليلًا، وأضاف:“الجهد الأساسي اليوم يجب أن يتركّز على الأعراس التي تُقام داخل الأحياء وبين البيوت. هذه مسؤولية أهلية وثقافية، وليست فقط قانونية”.
وأكد رئيس المجلس أن “المواطن الذي يريد أن يفرح من حقه أن يحتفل، ولكن ليس من حقه أن يفرض على الآخرين المشاركة في فرحه دون موافقتهم”، مشددًا على أن احترام راحة الجيران جزء من نسيج الحياة المجتمعية السليمة.
صليبي: “نحن لسنا ضد الفرح، لكننا بحاجة إلى وعي داخلي
هذا النهار مع شيرين يونس وفراس خطيب
04:27
مبادرات مستقبلية وتنبيه إلى الأثر الصحي
أشار صليبي إلى أن المجلس يعمل على إطلاق مبادرات توعوية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني:“نخطط لنشر لوحات إرشادية وتوزيع مواد توعوية، كما ندرس إطلاق حملات في المدارس والمساجد لرفع الوعي حول أهمية احترام الجيران خلال موسم الأعراس”.
وفي هذا السياق، نبه مختصون في الصحة العامة مرارًا إلى الأثر السلبي للضوضاء المزمنة على الصحة النفسية والجسدية، بما في ذلك اضطرابات النوم، وارتفاع ضغط الدم، والتوتر المزمن.
بين القانون والعرف: إلى متى؟
تبقى المشكلة بلا حل جذري في ظل غياب أدوات تنفيذ حازمة داخل البلدات العربية، وضعف ثقافة احترام المساحة العامة. وبينما يرى البعض أن الحل يجب أن يكون من خلال السلطات، يدعو آخرون إلى وعي جماعي ومسؤولية فردية تبدأ من أصحاب العرس وتنتهي بالجيران.
وتختم لمى خلايلة حديثها بنداء للمجتمع:“فرحك جميل، لكن لا تجعله مؤذيًا. دعنا نفرح معك، لا أن نتألم بسببك”.