كشفت دراسة بريطانية حديثة أن خلايا العضلات تمتلك ساعات بيولوجية داخلية خاصة بها، تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على قوتها وصحتها، وأن اضطراب هذه الساعات، كما يحدث لدى العاملين بنظام النوبات الليلية، قد يؤدي إلى ضعف في الأداء العضلي وتسريع مظاهر الشيخوخة.
الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة كينغز كوليدج لندن ونُشرت نتائجها في دورية PNAS، أوضحت أن التدهور العضلي المرتبط بالعمر قد يكون ناتجاً جزئياً عن خلل في الساعة البيولوجية الموجودة داخل الأنسجة العضلية نفسها، وهو ما يفتح الباب أمام تدخلات علاجية جديدة تستهدف هذا الخلل.
ومع التقدم في السن، يعاني الجسم من فقدان تدريجي في الكتلة والقوة العضلية، مما يؤثر على قدرة كبار السن على الحركة، وحمل الأغراض، وأداء الأنشطة اليومية. وترجع هذه الظاهرة المعروفة بـ"الساركوبينيا" إلى عوامل متعددة، منها اضطراب الهرمونات، وقلة النشاط، وضعف التغذية، إلا أن الدراسة الجديدة تشير إلى أن الساعة البيولوجية العضلية قد تكون عاملاً جوهرياً آخر.
تجارب على أسماك الزرد ونتائجها مقلقة
للتوصل إلى هذه النتائج، استخدم الباحثون أسماك الزرد، وهي كائنات تُستخدم بكثافة في الأبحاث البيولوجية بسبب تشابهها الجيني مع البشر. وعمد الفريق إلى تعطيل الساعة البيولوجية داخل عضلات الأسماك عبر تعديل جيني، ثم راقبوا آثار ذلك لمدة عامين.
رغم عدم ظهور تغيّرات في الكتلة العضلية خلال المراحل المبكرة، لاحظ العلماء مع بلوغ الأسماك عامها الثاني مؤشرات مبكرة على الشيخوخة، شملت انخفاضاً في الطول والوزن، وتراجعاً في الحركة والنشاط—وهي أعراض تشبه ما يحدث للإنسان مع التقدم في العمر.
"تنظيف ليلي" ضروري لصحة العضلات
وأظهرت الدراسة أن الساعة البيولوجية للعضلات تنشط أثناء الليل، إذ تعمل على إزالة البروتينات التالفة المتراكمة خلال النهار بفعل النشاط العضلي. وتُعد هذه العملية، التي يُطلق عليها اسم "التنظيف الليلي"، أساسية لتجديد الأنسجة والحفاظ على مرونة العضلات. لكن في حالات اضطراب هذه الآلية—كما يحدث مع العاملين في نوبات ليلية أو من يعانون اضطرابات نوم مزمنة—تفشل العضلات في إزالة هذه البروتينات، ما يؤدي إلى تراكمها وتسريع ضعفها.
تأثير على ملايين الأشخاص
وحذرت الدراسة من أن اضطراب الساعة العضلية البيولوجية قد يُشكل خطراً حقيقياً على نحو 4 ملايين شخص يعملون بنظام الورديات الليلية في المملكة المتحدة فقط، ما يعزز المخاوف بشأن تأثير نمط العمل على الصحة طويلة الأمد.
علاجات واعدة في الأفق
أكد الباحثون أنهم يعملون حالياً على تجارب ما قبل سريرية لاختبار أدوية تستهدف إعادة ضبط البروتينات المسؤولة عن تنظيم الساعة البيولوجية داخل العضلات. وتهدف هذه الأدوية إلى الحد من فقدان الكتلة العضلية وتحسين الأداء البدني، خاصة لدى من يتعرضون لاضطراب مستمر في إيقاع النوم.
وخلصت الدراسة إلى أن فهم هذه الآلية الداخلية للعضلات قد يمثل نقلة نوعية في الطب الوقائي والعلاجي المتعلق بالشيخوخة والصحة العضلية، لا سيما في ظل أنماط الحياة الحديثة التي تُرغم ملايين الأشخاص على السهر والعمل الليلي.