في يومها العالمي: تحديات اللغة العربية في العصر الحديث

العربية ليست مجرد وسيلة تواصل بين الملايين من الناس فحسب، بل هي وعاء حضاري يحمل بين حروفه تراثًا إنسانيًا ضخمًا، يشمل الأدب، والفكر، والعلوم، والفنون، والدين

1 عرض المعرض
يوم اللغة العربية: بروفيسور مصطفى كبها ، د. خالد أبو راس
يوم اللغة العربية: بروفيسور مصطفى كبها ، د. خالد أبو راس
يوم اللغة العربية: بروفيسور مصطفى كبها ، د. خالد أبو راس
(وفق البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007))
تحتفي دول العالم في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، ذلك الحدث الثقافي الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2010، احتفاءً بإحدى أكثر اللغات ثراءً وأصالةً في التاريخ الإنساني.
اللغة العربية ليست مجرد وسيلة تواصل بين الملايين من الناس فحسب، بل هي وعاء حضاري يحمل بين حروفه تراثًا إنسانيًا ضخمًا، يشمل الأدب، والفكر، والعلوم، والفنون، والديانات السماوية. ومنذ القدم، شكّلت اللغة العربية جسرًا بين الشعوب والثقافات، وكانت لقرونٍ طويلة لغة العلم والفلسفة والعلوم في أرجاء العالم.
إن اعتماد اليونسكو لهذا اليوم لم يكن اعتباطيًا، بل جاء اعترافًا بالمكانة الفريدة للعربية، وبضرورة حماية لغتنا الأم من التحديات المعاصرة التي فرضتها العولمة والتقنيات الحديثة، والعمل على دعمها لتظل نابضة بالحياة وقادرة على التجدد والإبداع.
في هذا اليوم المميز، نستعرض في هذا الحوار مع بروفيسور مصطفى كبها، رئيس دائرة تاريخ الشرق الأوسط ورئيس مجمع اللغة العربية، والدكتور خالد أبوراس، محاضر وعميد شؤون الطلبة، واقع اللغة العربية في مجتمعنا، التحديات التي تواجهها، والآفاق التي تنتظرها في المستقبل القريب، في محاولة للإجابة على السؤال: كيف نحافظ على لغتنا الأم ونرعاها في زمن العولمة والتغيرات السريعة؟
مشهد معقد وتحديات متعددة
بروفيسور كبها: اللغة العربية عانت من فترة انحطاط بعد خراب بغداد في 1258 ميلادية، وحتى بداية عصر النهضة في الربع الأخير
غرفة الأخبار مع محمد أبو العز محاميد
11:34
قال بروفيسور مصطفى كبها في بداية حديثه: "المشهد اليوم للغة العربية هو مشهد مركب للغاية، إذ يواجه الكثير من التحديات، سواء من عوامل خارجية كهيمنة لغات أخرى على الساحة، أو في ظل الثورة الرقمية والعولمة التي تعيد تشكيل مكانة اللغة. أما على المستوى الداخلي، فنجد أن الناطقين بالعربية لا يولونها الاحترام والاهتمام اللازمين، ولا يقدّرون قيمتها كما يجب، بل يعتمدون أحيانًا على مقولات متكررة دون تعمق."
وأضاف: "الوضع الحالي يحتاج إلى معالجة عميقة ومنهجية تشمل خططًا واضحة لإعادة توهج اللغة العربية ومنحها النظارة التي تستحقها، كونها لغة ثالثة غنية، وأسهمت في تشكيل أوليات الحضارة الإنسانية، وقادرة على العطاء في مجالات الأدب والإبداع وكل مناحي الحياة."

تاريخ من الانحطاط والتحدي.. مرحلة جديدة؟

حول سؤال ما إذا مرت العربية بمراحل تراجع مشابهة في تاريخها، أو ما إذا كان الوضع الحالي مختلفًا، أجاب كبها: "اللغة العربية عانت من فترة انحطاط بعد خراب بغداد في 1258 ميلادية، وحتى بداية عصر النهضة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. في تلك الفترة، ظهرت علامات الإجترار والتكرار والركاكة في الاستعمالات اللغوية، مع هيمنة للغات واللهجات الدارجة، ودخول عبارات عثمانية ولهجات من مناطق ما وراء النهر، مما أضعف حركة الاشتقاق والنحت التي هي أساس كل لغة حية."
وأكّد: "لكن رغم ذلك، كانت هناك حراسة مستمرة للغة من قبل مثقفين وعلماء، مثل عبد الرحمن بن خلدون في فترة الانحطاط، وكذلك في عصر النهضة الذي شهدناه من نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. في هذا العصر كان هناك تداخل كبير مع اللغات الغربية، وبرزت محاولات جادة في النحت والاشتقاق من قبل أعلام مثل البستاني وأحمد فارس الشدياق."

دور المجامع اللغوية في مواجهة التحديات

استعرض بروفيسور كبها دور المجامع اللغوية، وقال: "مجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي تأسس في ثلاثينات القرن الماضي، وضع أسس عمل المجامع في العالم العربي التي يبلغ عددها اليوم تسعة، ونحن من ضمنها. يعمل المجمع على مواجهة تحديات اللغة، وإحياء استعمالها المهني السلس، ويدير جهودًا في محوري الإنتاج المعجمي والتثقيف الميداني للشرائح العامة."
وأشار إلى أهمية الابتعاد عن اللغة المتزمتة والمعقدة، التي تغلب عليها التعقيدات اللغوية والعبارات المقعرة، مؤكداً على البلاغة التي تميل إلى الإيجاز والوضوح. وأضاف: "هدفنا هو إيجاد وسط يكفل للعربية سلاستها ورشاقتها، بعيدًا عن الثقل والعبارات الصعبة التي لا يفهمها الجمهور."

تحديات اللغة العربية في النظام التعليمي

د. أبو راس: اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة، منها تأثير التكنولوجيا وسيطرة اللغات الأخرى، وأيضًا هيمنة اللهجات العامية على اللغة الفصحى
غرفة الأخبار مع محمد أبو العز محاميد
08:08
من جانبه، تحدث الدكتور خالد أبوراس عن واقع اللغة العربية في المدارس والمجتمع التربوي قائلاً: "اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة، منها تأثير التكنولوجيا وسيطرة اللغات الأخرى، وأيضًا هيمنة اللهجات العامية على اللغة الفصحى. لا أستطيع القول إن الطلاب ابتعدوا عن اللغة، لكن هناك تحولًا في نظرتهم إليها، حيث صارت بالنسبة لهم مجرد مادة امتحان وليس لغة حياة أو هوية."
وأضاف: "في ظل التركيز على التحصيل الأكاديمي، تراجعت قيمة اللغة كلغة انتماء وهوية، مما يؤدي إلى عدم اهتمام الطالب بها كونه يتعامل معها كمادة دراسية فقط."
وشدّد على أهمية العمل المتواصل لإعادة هذه اللغة إلى مكانتها، خاصة مع كونها لغة أكثر من 460 مليون متحدث، ولغة عبادة لأكثر من ملياري مسلم، إضافة إلى اعتماد بعض الطقوس المسيحية على العربية.
ردًا على سؤال حول إمكانية استمرار اللغة العربية في العصر الرقمي دون أن تفقد مكانتها، قال الدكتور خالد: "اللغة العربية لغة عظيمة، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم، وسعت القرآن الكريم والعلوم في الماضي. الإنسان المثقف كان يتقنها ليُعتبر مثقفًا، واليوم رغم هيمنة اللغات الأجنبية، لا يزال بإمكاننا إعادة مجدها وفخرها."
وأوضح أن اللغة العربية تحتوي على ثروة لغوية هائلة، إذ تشمل أكثر من 12 مليون كلمة مقارنةً بـ600 ألف كلمة في اللغة الإنجليزية، ما يدل على عمق وثراء العربية الذي يمكن البناء عليه.