تداعيات سرقة اللوفر: فرنسا تتكبد خسائر بأكثر من مئة مليون دولار

مع تكشّف التفاصيل الجديدة، يتّضح أنّ القضية تجاوزت حدود الجريمة الجنائية لتتحوّل إلى أزمة وطنية تطال مؤسسات الثقافة والحكومة الفرنسية على حدّ سواء

1 عرض المعرض
متحف اللوفر
متحف اللوفر
متحف اللوفر
(تصوير متحف اللوفر)
بعد ثلاثة أيام على السرقة التي وُصفت بأنها الأجرأ في تاريخ المتاحف الحديثة، لا تزال فرنسا تواجه تبعات عملية السطو على متحف اللوفر في باريس، والتي أسفرت عن فقدان مجوهرات نادرة من مجموعة التاج الإمبراطوري تُقدَّر قيمتها بأكثر من 102 مليون دولار. ومع تكشّف التفاصيل الجديدة، يتّضح أنّ القضية تجاوزت حدود الجريمة الجنائية لتتحوّل إلى أزمة وطنية تطال مؤسسات الثقافة والحكومة الفرنسية على حدّ سواء.
مديرة المتحف لورانس دي كار اعترفت أمام مجلس الشيوخ الفرنسي بأنّ ما حدث يُعَدّ "فشلًا أمنيًّا فادحًا"، مؤكّدة أنّ نظام المراقبة في المتحف لم يرصد وصول اللصوص في الوقت المناسب، وأنّ بعض الواجهات الخارجية، بما فيها النافذة التي استُخدمت للاقتحام، كانت خارج نطاق الكاميرات. وأوضحت دي كار أنّها حذّرت مرارًا من تدهور أنظمة الأمن في المبنى التاريخي، إلى أن تحقّقت تلك التحذيرات "بطريقة مأساوية"، على حدّ تعبيرها. وأضافت، أنها قدّمت استقالتها عقب الحادثة، إلّا انّ وزيرة الثقافة رشيدة داتي، رفضتها.

جرح في صورة فرنسا الثقافية

الحكومة الفرنسية من جانبها أطلقت تحقيقًا مزدوجًا، إداريًا وجنائيًا، للوقوف على الثغرات التي مكّنت اللصوص من تنفيذ عمليّتهم في وضح النهار. وأمام لجنة الثقافة في مجلس الشيوخ، قالت الوزيرة داتي إنّ "منظومة الأمن لم تفشل، بل عملت كما يجب"، في حين وصف نوّاب ومعارضون الحادثةَ بأنها "جرح في صورة فرنسا الثقافية".
وأظهرت التحقيقات أنّ اللصوص استخدموا رافعة للوصول إلى نافذة في الطابق الثاني، ثمّ كسروا واجهات العرض في قاعة أبولو، قبل أن يفرّوا من المكان على درّاجات نارية. ولم تستغرق العملية برمّتها أكثر من ثماني دقائق، منها أقلّ من أربع دقائق داخل المتحف نفسه. ووفق بيان وزارة الداخلية الفرنسية، انطلقت أجهزة الإنذار فور اقتحام النافذة، ووصلت الشرطة بعد دقيقتين أو ثلاث من البلاغ الأول، إلّا انّ اللصوص كانوا قد تمكّنوا من مغادرة الموقع بالفعل.
وفيما تحفّظت السلطات في البداية على تقدير حجم الخسائر، أعلنت النيابة العامة في باريس لاحقًا أنّ قيمة المسروقات بلغت 88 مليون يورو (نحو 102 مليون دولار)، مستثنية من ذلك قيمتها الثقافية والتاريخية التي لا تُقَدّر بثمن. وتشمل القطع المسروقة ثماني مجوهرات نادرة، أبرزها تاج الإمبراطورة أوجيني، وبروش ماسي كبير، وقلّادة وأقراط من الزمرّد تعود للإمبراطورة ماري لويز، زوجة نابوليون بونابرت، إضافةً إلى قطع من مجموعة الملكتين ماري أميلي، زوجة آخر ملوك فرنسا لويس فيليب الأوّل، وهورتنس دو بوهارنيه، ابنة زوجة نابوليون وأمّ الإمبراطور نابوليون الثالث.
ومع بدء التحقيقات، أعلنت وزارة الثقافة عن استعادة تاج الإمبراطورة أوجيني بعد العثور عليه خارج المتحف، ويُرَجّح انه سقط من اللصوص سهوًا أثناء الفرار. ولا تزال بقيّة القطع مفقودة حتى الآن، فيما يخشى الخبراء أن يتمّ تفكيكها وبيعها في السوق السوداء، ما يعني خسارةً لا تُعوَّض على المستوى التاريخي والتراثي.

قضية رأي عام

الحادثة، التي وُصفت بأنها واحدة من أكثر السرقات جرأة في تاريخ فرنسا الحديث، سرعان ما تجاوزت حدود كونها جريمة جنائية لتتحوّل إلى قضية رأي عام أثارت موجة غضب واسعة. فقد رأى كثيرون فيها مسًّا مباشرًا بالرموز الثقافية الفرنسية، وشبّهها آخرون بحريق كاتدرائية نوتردام عام 2019 لما حملته من رمزية مؤلمة تمسّ الذاكرة الجماعية للأمّة.
ومع تصاعد الانتقادات واتهامات التقصير الأمني، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تسريع تنفيذ خطة الأمن الثقافي التي أُطلقت في يونيو الماضي، والتي تتضمّن تخصيص 160 مليون يورو (نحو 187 مليون دولار) لتحديث أنظمة المراقبة والحماية في متحف اللوفر ومؤسّسات ثقافية أخرى، ضمن خطة تمتدّ لعشر سنوات. كما أعلنت دي كار عن نيّتها منع وقوف المركبات في محيط المتحف، وتوسيع شبكة الكاميرات لتغطية جميع الواجهات، إلى جانب إنشاء مركز شرطة دائم داخل اللوفر.
وتأتي هذه الإجراءات بعد أشهر من إضرابات سابقة حذّر خلالها موظفو المتحف من "ظروف عمل غير محتملة ونقص في الأمن" نتيجة تقليص أعداد العاملين، إذ أُلغيت نحو 200 وظيفة دائمة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. ويُذكر، أنّ أربعة متاحف فرنسية أخرى تعرّضت لعمليات سرقة خلال الشهرين الماضيين، من بينها متحف التاريخ الطبيعي في باريس، الذي فُقدت منه سبائك ذهبية بقيمة 1.5 مليون يورو؛ ما فتح باب التساؤلات حول هشاشة البنية الأمنية للمتاحف الفرنسية عمومًا.
ويؤكّد مسؤولون فرنسيون أنّ التحقيقات لا تزال جارية بمشاركة أكثر من مئة محقّق وخبراء جنائيين، فيما تُعامَل القضية كـ "جريمة منظّمة"، بعد تحديد أربعة مشتبهين رئيسيين يُعتقد أنّ بعضهم على ارتباط بشبكات تعمل عبر أوروبا. كما تبحث السلطات في إمكانية وجود صلة بين هذه العملية وتلك الحوادث السابقة، في إطار ما بات يُعرف بتحقيق واسع حول شبكات الجريمة المنظّمة التي تستهدف المؤسسات الثقافية في فرنسا.