ضمن سلسلة لقاءات برنامج "خارج الضوء" عبر "راديو الناس"، استضاف الإعلامي وديع عواودة المحامي والباحث علي أحمد حيدر في حلقة موسّعة تمحورت حول العلاقة الشخصية مع الكتاب، ومكانة الثقافة في الحياة اليومية، وتأثيرها على تكوين الشخصية والفكر.
من مكتبة الوالد إلى فلسفة الغزالي
يقول حيدر: "نشأت في بيت فيه مكتبة كبيرة منذ طفولتي، كان والدي إمام مسجد وناشطًا سياسيًا، وكانت المكتبة تحتوي على كتب أدبية، فقهية، وفلسفية، من طه حسين إلى العقّاد، ومن التراث الإسلامي إلى الأدب الروسي". وأضاف: "كنت طفلًا صغيرًا أرتب الكتب حسب ألوان الغلاف أو أسماء المؤلفين، وعندما بدأت أكتب اسمي، كنت أضيفه على كتب والدي، وكأنني أمتلكها، وهو لم يعترض، بل تقبل الأمر بسعادة".
وأوضح أن والده، أحمد علي حيدر، كان قارئًا نهمًا، رغم أن النكبة حرمته من إكمال دراسته، إذ اضطر للعمل في حيفا صغيرًا، لكنه "تعلم الشريعة واللغة العبرية لاحقًا بمجهود شخصي، وأنشأ لاحقًا روضة، ومكتبة عامة، وصندوقًا لدعم الطلاب الجامعيين في عبلين".
القراءة كهوية ومسار
في حديثه عن علاقته بالقراءة، قال حيدر: "العلاقة مع الكتاب بدأت منذ الطفولة، وجميع مجالات المعرفة تجذبني؛ سواء الأدب، الشعر، الفكر، الفلسفة، أو التاريخ، وباللغات الثلاث: العربية، العبرية، والإنجليزية". وتابع: "لا يوجد كتاب يخلو من الفائدة. أنا أعتز بالثقافة العربية الإسلامية، لكني أقرأ في مجالات متنوعة، وليس في الأدب فقط".
وعن رؤيته لواقع القراءة اليوم، قال: "أنا لست متشائمًا، بالعكس، أرى أن النساء تحديدًا يقرأن أكثر من الرجال. الكتب متوفرة وأسعارها متفاوتة، والناس تقرأ، لكن التحدي في سيطرة النصوص السطحية والمحتوى السريع"، في إشارة إلى ما يسميه المفكرون "زمن التفاهة".
عن التصوف والانقطاع عن العالم
استعرض حيدر باختصار كتابًا يعتبره من أكثر الكتب تأثيرًا في حياته، وقال: "كتاب 'المنقذ من الضلال' لأبي حامد الغزالي هو سيرة ذاتية وفكرية، تتناول الشك والتجربة واليقين. فيه طرح عميق عن قدرة الحواس والعقل، والبحث عن الحقيقة عبر التصوف، لا عبر الظواهر فقط".
وأضاف: "الغزالي قرر الانقطاع عن العالم وسكن في المسجد الأموي ثم الأقصى، بحثًا عن خلاص داخلي. وأنا أرى أن التصوف بهذا المعنى يشبه التأمل واليوغا في أيامنا، فيه شفاء داخلي وانعتاق من عبودية المادة".
الانتماء والتدين كجسر لا كفاصل
في ختام الحديث، شدد حيدر على أهمية التوازن بين التدين والعيش المشترك، قائلًا: "والدي كان يقول لي على فراش الموت: دير بالك على إعبلين، مسلمين ومسيحيين، نحن أهل وجران". وأضاف: "التدين الحقيقي لا يعزل، بل يقرّب بين الناس. الفهم العميق للدين يقودك للانفتاح، لا للانعزال".