"بلدة صغيرة بتاريخٍ كبير ورؤية تمتدّ" | كفرياسيف تحتفل بمئويّتها

تطرّق رئيس مجلس كفرياسيف المحلّي، السيّد عصام شحادة، إلى معنى المئوية وما تحمله من توجّهات للسنوات المقبلة، معتبرًا انّ أهمّيتها تكمن في مراجعة الماضي وصياغة رؤية عملية للمرحلة القادمة؛ لا في الجانب الاحتفالي وحده

7 عرض المعرض
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
(المجلس المحلي)
تستعدّ كفرياسيف، اليوم الخميس، لحدثٍ استثنائيّ في تاريخها: مرور مئة عام على تأسيس مجلسها المحلّي عام 1925، أحد أوائل المجالس العربية في البلاد؛ في مناسبة تسعى البلدة من خلالها إلى إعادة قراءة مسيرتها الإدارية والاجتماعية والثقافية عبر قرنٍ كامل من التحوّلات. هي لحظةٌ تذكّر بمئة عام شهدت تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة في الجليل، بقيت خلالها كفرياسيف محافظة على نسيجها الداخلي، وعلى حضورٍ ثقافيّ وتعليمي رسّخ مكانتها في المشهد العربي المحلّي.
7 عرض المعرض
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
رئيس المجلس نعيم شحادة في مبنى المجلس القديم
(المجلس المحلي)
ورغم أنّ بلوغ المئة عام ليس استثناءً بحدّ ذاته على خارطة البلدات، إلا أنّ خصوصيّة كفرياسيف تكمن في كونها واحدة من أوائل القرى العربية التي أُسّس فيها مجلسٌ محلّّي إبّان الانتداب، والبلدة العربية الوحيدة تقريبًا التي واصلت عمل مجلسها بلا انقطاع بعد عام 1948. هذا الاستمرارية، النادرة في السياق العربي، أسهمت في تشكيل بنية إدارية وتنظيمية مبكرة للبلدة، انعكست عبر العقود على مستوى التعليم والحياة الثقافية والتنوّع المجتمعي، وهو عاملٌ ساهم في استمرار عمل المجلس عبر عقود متعاقبة، رغم ما شهدته المنطقة من تغيّرات سياسية واجتماعية. ومع دخول احتفالات المئوية يومها الرابع، تتحضّر البلدة لـ "ليلة نور كفرياسيف"، إحدى أبرز محطّات البرنامج، والتي تأتي ضمن سلسلة فعاليات انطلقت مطلع الأسبوع. فمنذ يوم الإثنين، افتُتح معرض صور تاريخية، وأقيمت أمسية أدبية في المكتبة العامّة، إلى جانب عروض فنّية للأطفال والطلاب، وفعاليات رياضية تحت عنوان "يوم تحدّيات الـ100". وفي مساء الخميس، تتوّج المسيرة الكشفية وإضاءة الشجرة والعروض الفنّية البرنامج الأسبوعي، قبل الوصول إلى الحفل الختامي الأسبوع القادم.
7 عرض المعرض
كفرياسيف تحتفل بالمئوية
كفرياسيف تحتفل بالمئوية
كفرياسيف تحتفل بالمئوية
(بلطف المدار)
في حديثه لراديو الناس، تطرّق رئيس مجلس كفرياسيف المحلّي، السيّد عصام شحادة، إلى معنى المئوية وما تحمله من توجّهات للسنوات المقبلة، معتبرًا انّ أهمّيتها تكمن في مراجعة الماضي وصياغة رؤية عملية للمرحلة القادمة؛ لا في الجانب الاحتفالي وحده.
7 عرض المعرض
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
(المدرسة)
شعار المئوية: قراءة للماضي، وبوصلة للغد تستهلّ البلدة احتفالها تحت شعار "نعتزّ بماضينا، وننطلق برؤية مئويّة نحو الغد"؛ شعارٌ يختصر في عبارة واحدة ذاكرة قرن، ويجمع بين إرث البلدة التاريخي ودورها الثقافي، وبين تطلّعها لترسيخ مكانتها في الجليل خلال العقود المقبلة. وبحسب شحادة، فإنّ المئوية تشكّل فرصة لإعادة تنظيم البلد وفق متطلّبات مرحلة جديدة تُبنى فيها الإدارة والخدمات والمشاريع على أسس أكثر حداثة تحاكي التغيّرات التكنولوجية. ويقول شحادة إنّ هذه المناسبة "تطوي صفحةً يعتزّ بها الجميع، وتفتح أخرى تُلزم الإدارة بأن تكون على مستوى عصرها". ويوضح أنّ هذا التوجّه يترجم عمليًا بخطّة تشمل تطوير البنى التحتية والخدمات، وترميم عدد من المباني التاريخية، وإطلاق مشاريع تستجيب لاحتياجات الجيل الشاب. ورغم الطابع الفنّي والشعبي للفعاليات، فإنّ المجلس يعرض الاحتفال كمحطّة ضمن رؤية طويلة المدى، تشمل – بحسب رئيسه – تطوير البنى التحتية، إعادة بناء مدرسة ينّي، وإقامة مبنى حديث للمجلس؛ وهي مشاريع لا تزال في مراحل مختلفة من التخطيط والمتابعة.
بلدة على مفترق التاريخ والجغرافيا تقع كفرياسيف على تلّة تشرف على الجليل الغربي، بالقرب من الطريق التجارية القديمة التي ربطت عكّا بمدن الساحل اللبناني. هذا الموقع جعلها، عبر العصور الكنعانيّة والفينيقية والرومانية، نقطة استقرارٍ وحركة في آنٍ واحد. وتظهر كفرياسيف في المصادر الصليبية باسم Cafresi، فيما تكشف وثائق العهد العثماني عن تركيبة سكّانية جمعت مسلمين ومسيحيين ويهودًا، قبل استقرار النسيج الاجتماعي المتعارف عليه اليوم. هذا الامتداد التاريخي، إلى جانب موقعها على طرق التجارة، منح البلدة مكانةً اقتصادية وثقافية مبكرة، حتى وُصِفت في بعض مصادر الانتداب بـ "عاصمة الجليل". ولعلّ أهمّ ما يميّز البلدة ليس قِدم وجودها فحسب، بل استمرارية هويّتها رغم تغيّر الواقع السياسي من حقبة إلى أخرى. فالتعدّدية الدينية، بخمس كنائس ومسجدين ومقام الخضر، ليست تفصيلًا جانبيًا، بل جزءًا من هويّة البلدة وبنيتها الاجتماعية اليوم. في حديثه، يقول شحادة إنّ المئوية تلخّص اليوم وتكرّم مسيرةً طويلة من التنظيم الذاتي والوعي المدني، مؤكّدًا أنّ تأسيس المجلس عام 1925 لم يكن خطوة إداريّة فحسب، بل قرارًا جماعيًّا واعيًا. ويُضيف، انّ اختيار الأهالي تنظيم حياتهم المدنية وإدارة شؤونهم عبر مجلس محلّي، في زمنٍ كانت فيه الإدارة المحلّية نادرة في القرى العربية، لهو "دليلٌ على نظرة بعيدة، وعلى مجتمع أدرك مبكرًا أهمّية التنظيم المدني". وفي نفس السياق، يضيف شحادة أنّ البلدة أدّت دورًا إنسانيًا استثنائيًّا خلال النكبة، إذ فتحت أبوابها وبيوتها وأراضيها لاستقبال العائلات المهجّرة، واحتضنت من فقدوا بيوتهم في القرى المجاورة؛ وهي صفحة يعتبرها جزءًا أساسيًا من الذاكرة الجمعية للبلدة.
7 عرض المعرض
رئيس المجلس في يوم المسن
رئيس المجلس في يوم المسن
رئيس المجلس في يوم المسن
(المجلس المحلي)
هوية ثقافية مُتجذّرة من مدرسة ينّي الثانوية، التي تأسّست عام 1949 وكانت من أوائل المدارس العربيّة في المنطقة، خرج محمود درويش، إلى جانب نخبةٍ من أبناء البلدة الذين برزوا في مجالات البحث العلمي والأدب والعمل المجتمعي. ولم يكن هذا الحضور الثقافي لكفرياسيف وليد الصدفة؛ فالبلدة شكّلت، منذ بدايات القرن العشرين، مركزًا فكريًا نشطًا بفضل انتشار التعليم المبكر بين أبنائها، ودور المدارس والبعثات الدراسية التي تلقّاها كثيرون في الخارج.
ويعلّق شحادة على هذا الجانب بقوله، إنّ "الوعي التعليمي لم يكن ترفًا، بل جزءًا من بنية العائلات التي كانت مستعدّة للتضحية بأراضيها كي تضمن دراسة أبنائها. هذا ما جعل البلدة تتصدّر إحدى الإحصائيات العالمية في الثمانينيات من حيث نسبة الأكاديميّين، وما منح البلدة رأسَ مال ثقافيًا لا يزال حيًّا حتى اليوم".
7 عرض المعرض
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
(البيادر)
إحياء الإرث التجاري بروحٍ جديدة تاريخيًا، شكّلت كفرياسيف مركزًا تجاريًا للقرى المجاورة، وكان "سوق الخميس" أحد أبرز معالمها منذ الثلاثينيات؛ مساحةٌ ظلّت نابضة بالحركة لعقود قبل أن يتراجع دورُها تدريجيًا مع تغيّر أنماط الاقتصاد في الجليل. ومع ذلك، يصف رئيس المجلس هذا الإرث بأنّه "قابل للعودة لكن بصيغة مختلفة"، مشيرًا إلى خطة لإحياء السوق بوجهٍ حديث يلبّي احتياجات سكّان البلدة والجيل الشاب، ويعيد لكفرياسيف جزءًا من دورها التجاري القديم، ولكن بأدوات معاصرة. ويستند هذا التوجّه إلى واحدة من الخصائص النادرة في البلدات العربية، وهو امتلاك المجلس المحلّي لمساحات واسعة من الأراضي المسجّلة باسمه رسميًّا في الطابو. فالمجلس، خلافًا لغالبيّة السلطات المحلّية العربية التي تعمل على أراضٍ تابعة لسلطة أراضي إسرائيل، يمتلك في كفرياسيف أراضٍ مركزية في قلب البلدة وفي سهلها الزراعي. هذا الامتلاك يمنح المجلس مرونة غير مألوفة في التخطيط العمراني والتجاري، ويفتح المجال أمام مشاريع يمكن أن تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي للبلدة. ومع دخولها مئويّتها الثانية، وما بين مشاريع مطروحة ورؤى قيد التشكّل، تجد كفرياسيف نفسها أمام مناسبة لإعادة تأمّل مسار البلدة، واستحضار ما تحقّق خلاله وما يمكن تطويره في السنوات المقبلة.
فهل تكون كفرياسيف على موعدٍ مع مئة عام جديدة تُشبه طموحها؟

7 عرض المعرض
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
طلاب مدرسة البيادر يحتفلون
(المدرسة)