لبنى زعبي: المشهد الثقافي العربي صامد في وجه الأزمات والفنانون هم الأساس

المشهد الثقافي العربي في المجتمع العربي بين الصمود والتحديات: مقابلة موسعة مع لبنى زعبي ضمن برنامج اليوم السادس

1 عرض المعرض
لبنى زعبي - مسرح
لبنى زعبي - مسرح
لبنى زعبي - مسرح
(وفق البند 27 أ لقانون حقوق النشر 2007)
في لحظة فارقة تمر بها الحركة الثقافية العربية في المجتمع العربي، وفي ظل تحديات غير مسبوقة تشمل شح الميزانيات، التضييقات السياسية، وتقييد حرية التعبير، عادت الأسئلة الكبرى لتطل برأسها: كيف يمكننا صناعة ثقافة حية في هذا الواقع الخانق؟ وكيف نضمن استقلالية العمل الفني والحفاظ على الهوية الوطنية وسط كل هذه التغيرات المتسارعة؟
في برنامج اليوم السادس على راديو الناس، حلّت لبنى زعبي، مديرة الثقافة العربية السابقة ومديرة شركة "جيلان" لتطوير المؤسسي والتنظيمي، للحديث عن واقع الحركة الثقافية والفنية في المجتمع العربي داخل البلاد، وتحدياتها، وفرصها.
لبنى زعبي: المشهد الثقافي العربي صامد في وجه الأزمات والفنانون هم الأساس
اليوم السادس مع محمد أبو العز محاميد
22:45
الصمود في وجه الأزمات
بداية، وصفت زعبي المشهد الثقافي العربي بكلمة واحدة: "صامد". وقالت: "المشهد الثقافي في الداخل صامد كما صمد سابقًا، رغم وجود فترات ازدهار، سواء من حيث الميزانيات أو القدرة على التعبير الحر. لكن الواقع دائماً يشهد أزمات متكررة بسبب الظروف السياسية والاجتماعية التي نعيشها في هذه الدولة."
وأضافت: "الأزمات تختلف في تأثيرها، لكن الجندي الثقافي الذي تعود على الحروب يعرف كيف يتصرف في كل موقف. السؤال الحقيقي هو: هل نترك الجندي الثقافي وحيدًا؟ أم نحن كمجتمع قادر على مؤازرته والعمل بشكل مؤسساتي ووحدوي بعيدًا عن الشعارات والاحتكارات السياسية؟"

ضرورة الاكتفاء الذاتي الثقافي والسياسي

أشارت زعبي إلى أهمية مفهوم "الاكتفاء الذاتي" في المشروع الثقافي، وقالت: "الاكتفاء الذاتي يعني أن يكون لدينا القدرة على إنتاج ثقافتنا بأنفسنا، أن نخطط ونزرع بذور عمل ثقافي مستقل لا يعتمد فقط على الدولة أو الاستيراد الثقافي من الخارج. نحن بحاجة لمشروع سياسي وثقافي يخلق مصادر دخل مستقلة للمؤسسات، بجانب حقوقنا التي لا بد أن نحارب لاسترجاعها من الدولة."
وأوضحت أن التمويل الحكومي يشكل نسبة كبيرة من دخل المؤسسات الثقافية، مما يجعلها معرضة للخطر في ظل تقليص الميزانيات، مؤكدةً على ضرورة وجود صناديق أزمات لحماية هذه المؤسسات الحيوية.

الفنانون هم أساس الصمود

ولدى سؤالها عن سر صمود الحركة الثقافية، قالت لبنى: "الأساس هو الأشخاص الفنانون المجنونون بحبهم للمهنة والوطن، الذين يحملون الحركة على أكتافهم. صحيح أننا بدأنا نشهد تأسيس مؤسسات، لكننا ما زلنا نعتمد كثيرًا على الأشخاص الرئيسيين، وإذا غابوا تتعرض المؤسسات لخطر الانهيار."

التحديات السياسية وتداخلها مع الحركة الثقافية

طرحت زعبي قلقها من ضعف الدعم المؤسساتي السياسي للحراكة الفنية، مشيرة إلى أن الأحزاب والفئات السياسية لا تقدم دعمًا استراتيجيًا للحركة الثقافية، وإن كان هناك دعم شخصي من بعض القيادات. وقالت: "لا أرى أن هناك موقفًا استراتيجيًا واضحًا من الأحزاب تجاه الثقافة، بل في الغالب هناك شعارات فقط."
وأوضحت أن هناك محاولات لتجسير العلاقة مع الأحزاب، وكانت هناك خطوات إيجابية قبل سنوات مثل تخصيص ميزانيات تاريخية للثقافة العربية، لكنها أشارت إلى أن هذه القوى تقلصت بعد خروجها من منصبها.

قرار الخروج وبداية مشروع جديد

عند سؤالها عن سبب خروجها من منصبها رغم النجاحات التي حققتها، أجابت زعبي بصراحة: "خرجت من الوظيفة بعدما أديت مهمتي الوطنية، وكنت بحاجة لفتح صفحة جديدة في حياتي. تحملت تشديدات وعقوبات استمرت أربع سنوات، وصلت إلى نقطة لم أعد أستطيع فيها تنفيذ المشاريع ضمن الشروط المتاحة. لم أعتبر ذلك استسلامًا، بل بداية لمشروع جديد يدعمه قدر ذاتي ومبادرات جديدة خارج أروقة الوزارة."
التطور في المشهد الثقافي
تحدثت عن التطور الكبير في المشهد الثقافي والفني خلال العشرين عامًا الماضية، من حيث تنوع الأعمال الفنية وتوفر القاعات الثقافية في المدن العربية، مما خلق تجربة فنية متطورة للمواطن العربي. وقالت: "قبل خمس عشرة سنة لم تكن هناك قاعات ثقافية في أغلب البلدات العربية، أما اليوم ففي كل مدينة تقريبًا قاعات مجهزة لاستضافة العروض الفنية."
وأشارت إلى ارتباط التطور الثقافي بالانتعاش الاقتصادي، مؤكدة أن الحركة الثقافية أصبحت جزءًا من الحياة اليومية والترفيهية للمواطن.

تأثير التضييقات على حرية التعبير

تطرقت زعبي إلى تأثير القوانين والسياسات التي تضيق على حرية التعبير، وقالت: "نحن في امتحان عظيم يتجاوز موضوع الميزانيات، حيث يسيطر الخوف على الفنانين والمواطنين للتعبير عن أنفسهم، بسبب وجود جمعيات يمينية تمولها جهات محلية وخارجية تقوم بدور الرقابة البوليسية على الحركة الثقافية." ودعت إلى ضرورة الشجاعة وعدم الاستسلام لهذه الظروف القاسية.

دور المؤسسات الثقافية ومسؤوليتها

علقت على الانتقادات التي توجه للمؤسسات الثقافية العربية، قائلة: "المؤسسات الثقافية عليها دور كبير، لكنها لا تستطيع أن تواجه وحدها كل هذه التحديات في غياب الدعم المجتمعي والتكافل بين شرائح المجتمع. لا يمكن تحميل المؤسسات وحدها مسؤولية الأزمة."
وأضافت: "بعض الناس تفضل الراحة وتجنب المواجهة، وهذا لا يساعد الحركة الثقافية على النمو والتطور."

التعليم والثقافة

نوهت إلى مشكلة سيطرة العروض المسرحية في المدارس والتي تشكل نحو 90% من النشاط، مقابل 10% خارج المدارس، مما يؤثر على التنوع والجودة. وأكدت على ضرورة اختيار عروض ذات جودة عالية، بعيدًا عن المحسوبية أو الاعتبارات الأخرى.
في ختام اللقاء، تحدثت لبنى عن حرية العمل التي تتمتع بها اليوم في مشروعها الخاص، مشيرة إلى أنها ليست معنية بالعودة للمناصب الرسمية، وأنها تركز على بناء منظومة ثقافية مستقلة ومكتفية ذاتيًا.