ساجدة زرعيني: مقارنة الأطفال بالآخرين عادة شائعة لكنّ أثرها أعمق ممّا نظن

هذا ما أكّدته المعالجة النفسية ساجدة زرعيني في حديثها لراديو الناس، حيث حذّرت من تداعيات هذا الأسلوب التربوي وتأثيره على نفسية الأطفال، لا سيّما في الفترات الحسّاسة مثل الامتحانات المدرسيّة.  

ماريا الياس|
1 عرض المعرض
ساجدة زرعيني
ساجدة زرعيني
ساجدة زرعيني
(Flash90)
مع اقتراب نهاية العام الدراسي وبداية موسم الامتحانات، تعود إلى الواجهة عادة شائعة بين الأهل: مقارنة الأبناء بزملائهم. "لماذا لا تدرس مثل شقيقك؟"، "ابن خالتك حصل على علامات أعلى" جملٌ قد تبدو في ظاهرها وسيلة بسيطة للتحفيز، لكنّها في الواقع تخلّف ضررًا نفسيًا عميقًا، تهزّ ثقة الطفل بنفسه وتؤثّر على نظرته لذاته.
ساجدة زرعيني: مقارنة الأطفال بالآخرين عادة شائعة لكنّ أثرها أعمق ممّا نظن
كيف الحال مع رجاء كناعنة
10:38
دراسات نفسية عديدة تشير إلى أنّ تكرار المقارنة يترك أثرًا تراكميًا على الطفل، إذ يُضعف تقديره لذاته بمرور الوقت ويزرع بداخله شعورًا دائمًا بالتوتّر والقلق. ولا يتوقف الضرر عند هذا الحدّ، بل يمتدّ إلى علاقاته الاجتماعية، حيث تُغذّي المقارنة مشاعر الغيرة، وتدفعه إلى منافسة مرهقة وهوس مستمرّ بإثبات الذات، بدل أن تُتاح له مساحة آمنة يشعر فيها بالقبول والدعم والانتماء، حتى داخل بيته ومع عائلته.
هذا ما أكّدته المعالجة النفسية ساجدة زرعيني في حديثها إلى راديو الناس، حيث حذّرت من تداعيات هذا الأسلوب التربوي وتأثيره على نفسية الأطفال، لا سيّما في الفترات الحسّاسة مثل الامتحانات المدرسيّة.
في كثير من الأحيان، تقول زرعيني، تبدأ المشكلة من نظرة الأهل لأنفسهم قبل نظرتهم لأبنائهم. فالأطفال، كما توضح، هم مرآة لتوقّعات الأهل من أنفسهم، ولصورتهم الداخلية عن ذواتهم. ولهذا، قد يتحوّل الأبناء دون وعي إلى وسيلة لإثبات نجاح الأهل أو تعويض شعورهم بالنقص. وعندما يُربّى الطفل على أساس أنّ قيمته تقاس فقط بعلاماته وإنجازاته، يتعلّم منذ الصغر أنّ الحب والقبول مشروطان بالنجاح. هكذا، قد يسعى إلى التفوّق لا بدافع شخصي، بل خشية أن يفقد اهتمام والديه إن لم يلبِّ توقعاتهم. وإذا ارتبط الرضا العائلي بالإنجاز وحده، فإنّ شعور الانتماء لهذه العائلة يبدأ بالتآكل مع الوقت.
أما المقارنة بين الإخوة، فتُعدّ من أكثر أنواع المقارنات ضررًا، بحسب زرعيني. فالغيرة بين الإخوة، وإن كانت شعورًا طبيعيًا، قد تتحوّل إلى تنافس مؤذٍ إذا غذّتها المقارنات داخل الأسرة. ما يحتاجه الطفل، كما تشير، هو أن يُرى كفرد مستقلّ بصفاته وقدراته، لا كنسخة ناقصة من غيره، لتتحوّل الغيرة إلى حافز إيجابي يدفعه للتقدّم، لا إلى مصدر نفور أو إحباط.
في نهاية حديثها، تقترح زرعيني بدائل عمليّة لهذا الأسلوب، تبدأ بالحوار الإيجابي والبنّاء، وتمرّ بتسليط الضوء على الصفات الإيجابية في شخصية كل طفل، سواء في البيت أو في المدرسة. كما تدعو الأهل إلى الطلب من المعلّمين مشاركة الجوانب الإيجابية التي يلاحظونها لدى طفلهم، حتى في الأيام التي لا يكون فيها أداؤه في أفضل حالاته.
أما داخل البيت، فتوصي ببناء بيئة تشجّع على التعاون بدل التنافس. "إذا كان أحد الأولاد بارعًا في الرياضيات والآخر في اللغة، يمكننا ابتكار ألعاب مشتركة تُظهر مواهب كلّ واحد منهم. بهذه الطريقة، يتحوّل التفوّق الفردي إلى إنجاز جماعيّ".
في ختام حديثها لراديو الناس، تؤكّد زرعيني أن الطفل يحتاج أن يشعر بأنه محبوب ومرئيّ كما هو، لا بسبب ما يُنجزه؛ وأنّ المقارنة وإن بدت محفّزة أحيانًا، إلّا انّها غالبًا ما تبني شخصية هشّة، لا ترى ذاتها إلّا من خلال عيون الآخرين.