تنطلق اليوم (الأربعاء)، أخطر خطة اقتصادية يروّج لها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهي اتفاق "مار ألاغو"، الذي يهدف إلى تفكيك قواعد النظام الاقتصادي العالمي.
ويقترح الاتفاق إحداث تغييرات جذرية في حركة رؤوس الأموال العالمية، من خلال إضعاف الدولار الأميركي لتحفيز الصادرات، إعادة هيكلة الدين القومي الأميركي الضخم والتحوّل من شريك للديمقراطيات إلى خصم سياسي لها.
ووفقًا للاقتصادي والمستثمر الأميركي ستيفن ميران الذي صاغ الاتفاق، فإن تراجع قيمة الدولار سيجعل البضائع الأميركية أرخص في الأسواق العالمية، مما سيدعم "القطاع الصناعي الأميركي". وفي موازاة ذلك، ستُفرض رسوم جمركية على الواردات، ما يُفترض أن يقلّص العجز التجاري ويموّل الدين الأميركي.
وتبنّى ترامب هذه الخطة انطلاقًا من قناعته بأن العجز التجاري يضر بالاقتصاد الأميركي، على عكس ما يرى كبار الاقتصاديين، حيث يعترف ميران بأن نجاح هذه الخطة مرهون بـ"مسار ضيق جدًا"، إذ يفترض أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى إذعان الدول الأخرى وخضوعها للمفاوضات من موقع ضعف.
غير أن التجربة الواقعية تُظهر عكس ذلك، فرغم اعتماد كندا الكبير على الاقتصاد الأميركي، إلا أنها لم ترضخ لسياسات ترامب.
"فن الصفقة"
وتتماشى هذه الرؤية العدائية مع أسلوب ترامب الذي عبّر عنه في كتابه "فن الصفقة" (Art of The Deal)، حيث يرى أن التفوق في المفاوضات يبدأ بعرض دراماتيكي من "رجل قوي" لا يستسلم، وينتهي بخضوع الطرف الآخر.
ويرى خبراء في القطاع الاقتصادي، أن المشكلة الأساسية تكمن في أن ترامب لا يرى في التجارة العالمية شراكة، بل معركة. فهو يعتبر أن شراء الولايات المتحدة من الخارج دون أن يُقابل ذلك شراء مكافئ من صادراتها يُعدّ خسارة، رغم أن النظام القائم منذ عقود، القائم على الدولار القوي، جعل أميركا أغنى دولة في التاريخ.
إضعاف الدولار
منذ الثمانينات، تراجع الإنتاج المحلي في أميركا من 25% من الناتج المحلي إلى نحو 10%، رغم أن حجم الإنتاج لم يكن أعلى من اليوم. لكن 86% من الأميركيين باتوا يعملون في قطاع الخدمات لا في الصناعة. ولذلك، فإن إضعاف الدولار قد لا يكون له أثر فعلي كبير على حياتهم اليومية.
كما يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إضعاف الدولار. ففي كتب مشروع روسيا، التي يُعتقد أنها كُتبت على يد مقرّبين من الكرملين، كُتب أن "المرحلة المقبلة في تطور البشرية ستكون بانهيار أوروبا وأميركا والدولار الأميركي... وإذا انهار الدولار، سينهار النظام العالمي".
ووفقًا لتلك المصادر، فإن روسيا تدفع الولايات المتحدة نحو حرب تجارية عالمية، مع خلق انقسام داخلي والتأثير على سياسييها، بهدف ضرب أميركا من الداخل.
كما تتحدث الكتب عن "رسوم جديدة، وتسريحات جماعية للموظفين، وتقليصات كارثية في الميزانيات... كل هذا سيقوّض الدولار".
عدم الاستقرار
وحذّر الاقتصاديان ستيفن كامين ومارك سوبل مؤخرًا من أن خطة "مار ألاغو" ستقوّض مكانة الدولار في النظام المالي العالمي، ما قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في الاقتصادين الأميركي والعالمي.
وفي المحصلة، الشيء الوحيد الثابت في إدارة ترامب هو عدم الاستقرار. وهذا أخطر ما قد تواجهه أي دولة حديثة؛ فغياب اليقين يجعل الشركات تحجم عن التوظيف، الاستثمار والتخطيط، ويهدد الاقتصاد بالركود وربما الانهيار.
كما لا تستند خطة ترامب الاقتصادية إلى الأدوات التي صنعت الازدهار في الديمقراطيات الحديثة، لكنها تنسجم مع عصر باتت فيه القوة توازي المال في التأثير على الاقتصاد العالمي.
الاقتصاد، وفق هذا المنطق، لم يعد مجرد معادلات وأرقام، بل ساحة صراع بين رؤى أيديولوجية وبين من يسعون لحكم رشيد، ومن يدفعون نحو الفساد والفوضى. وهذا هو جوهر القضية؛ ليست الرسوم الجمركية بحد ذاتها، بل العقلية التي تقف وراءها.