"سرّ بقاء المجتمعات" | العطاء والتطوع يولّد السعادة ويقوي المناعة النفسية

دراسة جديدة: التطوع يعزز الحصانة النفسية | د. زاهر عكرية: "العطاء يولّد السعادة "، وأحمد مهنا يؤكد: "التطوع سرّ بقاء المجتمعات"

1 عرض المعرض
طلاب المدارس الابتدائية والإعداديات والكشاف الإسلامي في عبلين يشاركون في يوم الأعمال الخيرية
طلاب المدارس الابتدائية والإعداديات والكشاف الإسلامي في عبلين يشاركون في يوم الأعمال الخيرية
طلاب المدارس الابتدائية والإعداديات والكشاف الإسلامي في عبلين يشاركون في يوم الأعمال الخيرية
(انترنت)
أظهرت دراسة جديدة أن الانخراط في العمل التطوعي يمنح شعورًا بالراحة النفسية، ويعزز الحصانة النفسية، ويخفف من الإحساس بالوحدة. وقد جرى فحص هذه النتائج من خلال متابعة تجارب متطوعات شاركن في نشاطات تطوعية متنوعة. الدراسة كشفت عن الأثر الإيجابي الكبير للتطوع، رغم أن هذه الأهمية لا تحظى بالاهتمام الكافي في المجتمع العربي.
وفي هذا السياق، استضاف راديو الناس الأخصائي النفسي، الاجتماعي والإكلينيكي، الدكتور زاهر عكرية، الذي أكد أن نتائج الدراسة "تؤكد المؤكد"، موضحًا أن "العمل التطوعي هو فعل يقوم به الإنسان بإرادته الحرة، دون انتظار مقابل مادي، وفيه منفعة مزدوجة للمجتمع وللمتطوع نفسه".
د. زاهر عكرية: العمل التطوعي هو فعل يقوم به الإنسان بإرادته الحرة
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
12:52
وقال عكرية: "حينما يقدم الإنسان عطاءً صادقًا دون انتظار مقابل، فإن دماغه يفرز ما نطلق عليه هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين والدوبامين، ما يولّد شعورًا بالرضا والراحة، ويعزز مناعة الإنسان النفسية في مواجهة الضغوط والمشاكل الحياتية".
وأشار الأخصائي النفسي إلى أن التطوع لا يقتصر على كبار السن أو المتقاعدين، بل يشمل كل الفئات العمرية. وأضاف: "المتقاعدون بحاجة إلى الاستمرارية بعد ترك العمل، والتطوع يملأ هذا الفراغ، فيقي من مشاعر العزلة والتهميش، ويمنحهم الإحساس بأنهم ما زالوا فاعلين ومؤثرين في المجتمع".
كما شدد على أن التطوع يرسخ مفهوم "القيمة الذاتية" للفرد، حيث يساهم في بناء علاقات اجتماعية جديدة، ويعيد تعريف الإنسان لعلاقته بنفسه وبالمحيط. وأوضح: "الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يمكنه أن ينمو ويتطور بمعزل عن الآخرين، والعمل التطوعي هو أحد المسارات التي تكسر العزلة وتعيد إدماج الفرد في المجتمع"، لافتًا إلى أن الشعور بالوحدة قد يصيب حتى أولئك الذين يعيشون وسط عائلاتهم.
وختم عكرية بدعوة واضحة إلى جميع الفئات للانخراط في العمل التطوعي: "من يعتقد أن التطوع هو مجرد خدمة مجانية للآخرين يخطئ؛ لأنه في الحقيقة يقدم خدمة لنفسه أولاً. العطاء يعزز التوازن النفسي، ويطور الذات، ويبني مجتمعًا متكافلًا أقوى. الربح هنا للجميع: للمعطي والمتلقي معًا".

أحمد مهنا: "التطوع سرّ بقاء المجتمعات"

أحمد مهنا: "التطوع سرّ بقاء المجتمعات وهو نمط حياة لا بد أن نمارسه جميعاً"
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
08:05
بدوره، تحدث المبادر الاجتماعي ومدير شبكة "قدرة" أحمد مهنا، عن أهمية العمل التطوعي. وقال مهنا في مستهل حديثه لراديو الناس: "التطوع في جوهره هو جهد يبذله الفرد أو مجموعة أفراد دون مقابل مادي أو إكراه. قد يكون جهدًا جسديًا أو فكريًا أو معنويًا أو حتى وقتًا يمنحه المتطوع من أجل الآخر، وهو ما يضع التطوع في إطار واسع ومتعدد يتجاوز الصورة النمطية المرتبطة بطلاء جدران المدارس أو تنظيف المقابر."
وأضاف: "التطوع يملأ الجسد والروح والصحة النفسية، لأنه يولّد شعورًا بالإنجاز والمقدرة، ويتيح تشبيكًا مع الآخرين وتبادلًا للقيم والخبرات. ولهذا أقول إن العطاء والتطوع هو سر بقاء المجتمعات على المستويات الفكرية والأهلية والمجتمعية."
وتوقف مهنا عند أثر التجارب التطوعية على الأجيال الشابة قائلاً: "لقد أدرت لسنوات جمعية ’أمانينا‘، ورأيت بأم عيني كيف أن طلاب المدارس الذين بدأوا بستين ساعة تطوع إلزامية واصلوا العمل حتى مئات وآلاف الساعات. بعضهم اكتشف شغفه من خلال هذه الساعات، حتى أن تطوعهم ساعدهم لاحقًا في النجاح الأكاديمي وتطوير مهارات حياتية أساسية مثل الثقة بالنفس والتواصل."
كما أشار إلى البعد الأسري قائلاً: "حتى أبنائي الصغار عمر ونور اكتسبوا من خلال بيئة التطوع مهارات في التعبير عن النفس والتعامل مع الآخرين، وهذا تحوّل لدينا في البيت إلى تقليد سنوي يتمثل بتنظيم فعاليات مدرسية واجتماعية."
وفيما يتعلق بالتحديات، أوضح مهنا أن "الرغبة في التطوع داخل المجتمع العربي تفوق بكثير قدرة المؤسسات والجمعيات على استيعاب المتطوعين"، داعيًا البلديات والشركات والمؤسسات إلى فتح أبوابها أمام الشباب وتوفير أطر مناسبة لاستثمار طاقاتهم.
ووجه في ختام حديثه رسالة للمستمعين قائلاً: "أدعو كل إنسان إلى أن يخوض التجربة ولا يضع حواجز أمام نفسه. أحيانًا تكفي مكالمة هاتفية لمسن، أو نصيحة لشخص يبحث عن عمل، أو مساعدة بسيطة في الحياة اليومية لتكون فعل تطوع. المهم أن نجرب، فالتجربة الأولى قد تكون صعبة، لكنها تفتح الباب أمام نمط حياة قائم على العطاء. وفي النهاية، الفائدة تعود أولًا على المتطوع نفسه قبل أن تصل إلى الآخرين."
وختم بالقول: "التطوع ليس خدمة مجانية كما يظن البعض، بل هو مدرسة لبناء الذات وتعزيز القيم المجتمعية. وإذا جعلناه أسلوب حياة، فسوف نرتقي جميعًا فرديًا وجماعيًا."