خطة ترامب لإنشاء "قوة استقرار" في غزة تثير قلق وتحفّظ إسرائيل: بين نزع السلاح ويونيفيل جديد

من بين بنود المسودة ما اعتبر حتى الآن النقطة الأكثر إثارة لقلق الحكومة الإسرائيلية: بند يختص بفكّ تسليح حماس والمنظمات المسلحة الأخرى في غزة

3 عرض المعرض
ترامب ونتنياهو
ترامب ونتنياهو
ترامب ونتنياهو في الكنيست
(الكنيست)
لا تزال تقديرات الخبراء والتحليلات متحفظة حيال مسودة النصّ التي عرضتها الولايات المتحدة مبدئيًا على عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي لبدء التفاوض بشأن إنشاء قوة استقرار دولية في قطاع غزة، إذ لم تُعرض المسودة بعد بصورة رسمية على المجلس، ولم تطّلع جميع الدول الخمس عشرة الأعضاء عليها بعد، ولا يزال موعد الصياغة النهائية ومكوّنات قوّة الاستقرار والدول المشاركة محل غموض.
أوضحت مصادر دبلوماسية أن واشنطن لا تسعى في هذه المرحلة إلى قرار ملزم لمجلس الأمن (ولا إلى تفويض بموجب الفصل السابع الذي يسمح باستخدام القوة)، بل طرحت وثيقة بلغـة عامة ومبهمة تهدف إلى منح المجلس غطاءً سياسياً لمباركة تشكيل قوة ستشارك فيها الولايات المتحدة مع دول عربية وإسلامية. وقد أُشير إلى أن هذه القوة ستعمل تحت مظلة «مجلس السلام» الذي يُنتظر أن يرأسه، بحسب المقترح، كلّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، فيما يُخضع مركز تنسيق مقترح في كريات گت تمثيلاً لما يقارب أربعين دولة لتوجيه عمل القوة.
نص التفاوت في لغة «نزع السلاح» يثير توجّس إسرائيل
من بين بنود المسودة ما اعتبر حتى الآن النقطة الأكثر إثارة لقلق الحكومة الإسرائيلية: بند يختص بفكّ تسليح حماس والمنظمات المسلحة الأخرى في غزة. ففي الخطة الأصلية المعروفة باسم «خطة العشرين نقطة» وردت كلمة Disarmament أي «نزع السلاح» صراحةً، بينما تعتمد المسودة الأميركية لغتَها على مصطلح Decommissioning أي «إخراج السلاح من الخدمة» — صياغةٍ عمليّتها غير واضحة وقد تتيح المجال أمام ما وصفه مسؤولون إسرائيليون بمهربٍ للاجتناب الكامل عن تسليم كلّ أنواع السلاح القابل للاستخدام، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة.
وترى إسرائيل أن تعبير «إخراج عن الاستخدام» لا يضمن أن يقدّم الطرف المسلّح أسلحته فعليًا إلى جهة خارجية ضامنة، ما قد يتيح له الاحتفاظ بقدرات جوهرية أو آليات لإعادة التسليح لاحقًا.
3 عرض المعرض
غزة
غزة
دمار كارثي في غزة
(Flash90)
الاعتماد على الأمم المتحدة
نقطة أخرى تثير استياء إسرائيل هي إحالة صلاحية تكوين قوة الاستقرار ومجلس السلام إلى الأمم المتحدة كمصدر سلطة، إذ يخشى قادة إسرائيليون أن يتيح ذلك للأمم المتحدة التأثير على صياغة الولاية (Mandate) وعلى قواعد الاشتباك، مما قد يؤدّي إلى نسخة «يونيڤيل جديدة» — إشارة إلى إخفاقات سابقة في تنفيذ مهمات نزع سلاح فاعلة، بحسب ما يقول مسؤولون إسرائيليون. ومن منظور تل أبيب، فإن قوة استقرار ذات ولاية دولية قد تتحوّل إلى عائق أمام إتمام المهام الرئيسية للحرب: ضمان أن حماس لن تشكّل تهديدًا مستقبليًا ولا تقدر على استعادة بنيتها العسكرية.
الجبهة اللبنانية: ضغوط دولية ومحاولات إعادة بناء لحزب الله
على الجبهة اللبنانية، يبدو أن إسرائيل تمارس ضغوطًا سياسية وعسكرية على بيروت وتهدّد أداء حزب الله، بهدف دفع الحكومة اللبنانية إلى الإسهام في منع إعادة تسليح الحزب ونشوء بنية عسكرية جديدة. لا تزال القوات اللبنانية تنفّذ عمليات متقطّعة لتدمير مخازن وصوامع صواريخ ومنصات إطلاق، لكنّها لا تزال غير كافية لوقف مساعي حزب الله لإعادة بناء قدراته أو البنى التحتية الداعمة لها (مصانع خرسانة، أنفاق، مرافق تصنيع ذخيرة).

3 عرض المعرض
الطيران الحربي الاسرائيلي شن هجمات عنيفة استهدفت تلالا ومواقع في جنوبي لبنان
الطيران الحربي الاسرائيلي شن هجمات عنيفة استهدفت تلالا ومواقع في جنوبي لبنان
هجمات إسرائيلية على جنوب لبنان
(وفق البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007))
وتشير معلومات استخبارية إلى وجود شبكات تهريب صغيرة الحجم من أسلحة وتقنيات تُنقل من العراق عبر معابر برّية سرية تصل أحيانًا إلى مواقع حزب الله ومخازنه التدريبية؛ وعلى الرغم من أن نطاق هذه العمليات لا يزال محدودًا وفقًا لمصادر مطّلعة، فإنّ تل أبيب تؤكّد أنها تضرب كل محاولة تهريب تُعرَف لديها.
ويُظهر تقييم مسؤولين أمنيين أن هدف حزب الله الحالي قد لا يكون بالضرورة استعادة قدرة هجومية واسعة تجاه إسرائيل، بل استعادة موقعه كقوة مهيمنة داخل المشهد اللبناني الداخلي بحيث يردع الجيش والحكومة عن التصدّي له، وهو ما قد يفضي إلى مخاطر انشقاق داخلي.
المسار المستقبلي: الدبلوماسية أولاً ثم خيارات عسكرية
بناءً على المعطيات الحالية، تتجه ستراتيجية إسرائيل إلى استنزاف أدوات الضغط الدبلوماسي والعسكري على لبنان وحزب الله أولًا لإرغام الحكومة اللبنانية على اتخاذ خطوات فعلية لتفكيك بنى حزب الله، ووقف تهريب معدات الحرب، ومنع إعادة الإعمار العسكري داخل الجنوب اللبناني. وإذا لم تؤتِ تلك الأدوات ثمارها خلال فترة زمنية معقولة، فإنّ إسرائيل قد تضطر إلى تصعيد عملياتها العسكرية لتحقيق ما تعتقد أنه غير ممكن تحقيقه عبر الضغوط وحدها — كل ذلك بالطبع مع التنسيق والتوافق مع الولايات المتحدة وفقًا لما أبلغت به الأطراف المعنية.
في خضم هذه التطورات، يبقى الغموض سيد الموقف حول صياغة النصّ النهائي لمجلس الأمن، وهو ما سيحدّد بشكل حاسم شكل القوة المقترحة، صلاحياتها، وطبيعة الضمانات التي قد تُقدّم لتجنُّب عودة عمل المسلَّحين في غزة إلى ما كان عليه سابقًا.