شهدت مدينة عرّابة أمس السبت واحدة من أضخم المظاهرات الشعبية في السنوات الأخيرة، تنديدًا بتصاعد جرائم القتل والعنف في المجتمع العربي، بعد مقتل المواطن راسم نعامنة في جريمة مروّعة هزّت الأهالي ودفعت المئات إلى الخروج إلى الشوارع.
المتظاهرون حملوا لافتات تُدين تقاعس الشرطة عن أداء واجبها في حماية المواطنين العرب، ورددوا شعارات تطالب بوقف نزيف الدم، ومساءلة الجهات المسؤولة عن الأمن العام.
ليانا نعامنة تبكي أباها: الصمت جريمة أكثر من القتل
هذا النهار مع شيرين يونس وفراس خطيب
06:21
غضب شعبي ورسائل تحدٍّ للسلطات
المسيرة التي انطلقت من ساحة البلدية وجابت الشوارع المركزية في المدينة، شارك فيها نشطاء وقيادات محلية ومواطنون من مختلف الأعمار، وسط أجواء خيمت عليها الحسرة والغضب.
المشاركون أكدوا أن الجريمة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأن ما يجري لم يعد مجرد أحداث فردية، بل ظاهرة تهدد نسيج المجتمع واستقراره.
وقال أحد المنظمين:"نقف اليوم ليس فقط لنودّع راسم نعامنة، بل لنقول كفى! كفى صمتًا، كفى دمًا، كفى تجاهلاً من الشرطة والدولة التي تتعامل مع دم العربي كأنه بلا قيمة."وأضاف:"نريد خطة حقيقية لمحاربة الجريمة، لا مؤتمرات ولا تصريحات. نريد حياة آمنة لأطفالنا وبلداتنا."
"أبي لم يكن له عدو" شهادة ابنة الضحية تهزّ القلوب
في مقابلة مؤثرة على "راديو الناس"، تحدثت ليانا نعامنة، ابنة الضحية، عن صدمة فقدان والدها، لتتحول كلماتها إلى صرخة ألم وإنسانية هزّت الرأي العام.
قالت بصوتٍ مبحوح:"كنت نائمة يوم عادي، وفجأة شعرت في شيئ غير طبيعي"،وأضافت بالعامية:" لما قالولي إن أبوي انقتل، ما صدّقت. قلت يمكن غلطانين. ما كنت أتخيل إنه يروح هيك، لو مرض كنا نقول قضاء ربنا، بس الجريمة؟ ما بستوعب."
وأضافت:"أبي كان إنسانًا طيبًا، وجهه بشوشًا، يمد يده للخير، يساعد الجميع بدون مقابل. جميع الناس تحبه، حتى الذين لا يعروه شخصيًا يذكروه بالخير.
وتابعت وهي تخاطب والدها الراحل بالعامية:"أبوي علّمني نكون "جدعان"، علّمني نكمل طريقنا مهما صار. وعدته أكمل تعليمي وأصير دكتورة حتى أحقق حلمه. هو دايمًا كان يقول لأمي: بنتي رح ترفع راسي."
"بكفي جرائم"، نداء من قلب موجوع إلى مجتمعٍ ينزف
ليانا لم تُخفِ غضبها من الواقع الذي يعيشه مجتمعها، وقالت بصدقٍ موجع:"الجرائم لازم تتوقف. بكفي! مجتمعنا خرب. الولاد صاروا لعبة بيد اللي بيغريهم بالمال والسلاح. لازم نصحى، لازم نغيّر قبل فوات الأوان."
وختمت كلمتها بنداء للأهالي:"صالحوا أهاليكم، ما تناموش وأنتم زعلانين من بعض. الحياة قصيرة، والموت بييجي فجأة. الله يرحم أبوي، ويرحم كل ضحايا العنف."
وجع متراكم وصرخة لا تُسمع
تأتي هذه الجريمة في ظل تصاعد مقلق في معدلات القتل داخل البلدات العربية في إسرائيل، حيث قُتل منذ بداية العام العشرات، بينهم نساء وشبان، وسط انتقادات حادة للشرطة التي يُتَّهمها المواطنون بالإهمال المتعمد وتقاعسها في جمع السلاح غير المرخص أو تفكيك عصابات الإجرام.
المحللون الاجتماعيون يرون أن استمرار العنف بهذا الشكل يُنذر بانفجار اجتماعي، ويكشف عن أزمة عميقة في الثقة بين المواطنين والسلطات، خاصة في ظل غياب سياسات وقائية وتعليمية جادة.
وقال أحد وجهاء المدينة خلال المظاهرة:"عرّابة اليوم تبكي، لكنها لن تصمت. دم راسم نعامنة لن يذهب هدرًا، وهذه الرسالة نوجّهها لكل مسؤول."
خاتمة: صرخة عرّابة رسالة لكل بيت عربي
ما حدث في عرّابة لم يكن مجرد جريمة جديدة تُضاف إلى سجلّ طويل من المآسي، بل جرس إنذار مؤلم لكل بيت عربي مهدد بفقدان أحبائه.
في كلمات ليانا نعامنة، تجسّد الوجع والكرامة والأمل:"أبوي راح، بس علمنا نرفع راسنا ونكمّل. ما بدنا نعيش بخوف، بدنا نعيش بسلام".

