تشهد شوارع البلاد واحدة من أكثر السنوات دموية على الإطلاق، إذ أعلنت السلطة الوطنية لسلامة الطرق أن عدد ضحايا حوادث السير حتى أغسطس/آب 2025 بلغ نحو 300 قتيل، مقارنة بـ290 ضحية في الفترة ذاتها من العام الماضي، و246 في عام 2023. هذه الأرقام التي وُصفت بأنها "تجاوز لخط أحمر مؤلم" تعكس أزمة وطنية متصاعدة، غير أن المجتمع العربي هو الأكثر تضررًا منها.
فوفقًا للمعطيات الرسمية، سجّل العرب في عام 2024 وحده 159 حالة وفاة في حوادث الطرق، مقابل 98 في عام 2023، أي بارتفاع صادم بلغ 62%. وبهذا بات العرب يشكّلون ما يقارب 37% من ضحايا الحوادث، رغم أنهم لا يتجاوزون 21% من سكان البلاد. أرقام تكشف بوضوح عمق الفجوة في البنى التحتية داخل البلدات العربية، حيث تغيب الإضاءة الكافية، والأرصفة، والإشارات المرورية، والممرات الآمنة للمشاة.
الأطفال في دائرة الخطر
المعطيات تسلّط الضوء أيضًا على مأساة مضاعفة بين الأطفال. ففي الفئة العمرية ما بين صفر و14 عامًا، قُتل 31 طفلًا عربيًا من أصل 41 على مستوى الدولة بأكملها. أي أن سبعة من كل عشرة أطفال يُفقدون على الطرق هم من العرب، وغالبيتهم من المشاة الذين يسلكون طرقًا غير مؤمنة أو يفتقرون إلى مساحات لعب آمنة داخل بلداتهم.
"خطر قومي"... لكن
مدير عام السلطة الوطنية لسلامة الطرق، جلعاد كوهين، وصف الوضع بأنه "خطر قومي"، وأرجع أسبابه إلى الازدحام المروري، والقيادة المتهورة، والاستخدام غير الآمن للدراجات الكهربائية. وأكد أن الحل يكمن في الجمع بين تطوير البنى التحتية، وتشديد الرقابة، والتثقيف المروري.
غير أن نشطاء عرب يعتبرون هذه التصريحات غير كافية، مشيرين إلى أن الخطط الحكومية غالبًا ما تُصاغ بمعايير عامة، دون الأخذ بعين الاعتبار الواقع الخاص في البلدات العربية التي تعاني من شوارع ضيقة، وغياب مواصلات عامة، وانعدام شبه كامل لمشاريع أمان طويلة المدى.
الخطر الأكبر: الشباب
الأزمة تزداد خطورة بين السائقين العرب الشباب؛ ففي عام 2024 مثلًا، لقي 31 شابًا عربيًا دون سن الرابعة والعشرين مصرعهم أثناء قيادة سيارات أو دراجات نارية، كثير منهم لم يحصلوا على رخصة قيادة أو لم يستخدموا وسائل الوقاية الأساسية. كما تتركّز غالبية الحوادث القاتلة على الطرق بين المدن، ما يبرز حجم المخاطر التي يواجهها سكان القرى العربية عند تنقلهم اليومي.
أزمة حياة أو موت
كل هذه المؤشرات تجعل من حوادث السير قضية حياة أو موت بالنسبة للعرب في الداخل. فبينما تحصي كل عائلة ثكلى وجعها، يتعاظم الشعور بأن الدولة تترك هذا المجتمع يواجه مصيره على طرق غير آمنة. ومع تصاعد الأصوات المطالِبة بحلول جذرية، يزداد الضغط داخل المجتمع العربي لانتزاع خطة خاصة توقف نزيف الدماء، وتضمن أن لا يتحوّل السفر اليومي إلى مغامرة قاتلة.