شجار بين متسولات في طمرة يثلا سجالا واسعا
حذّر المحامي عمر خمايسي، مدير مركز ميزان لحقوق الإنسان، من خطورة تفشّي ظاهرة استغلال النساء والأطفال في التسول داخل المجتمع العربي، واصفًا إيّاها بأنها "شكل من أشكال التجارة بالبشر"، تستدعي تدخّلًا عاجلًا من السلطات المختصة.
هذا ولا تغيب ظاهرة المتسوّلين والمتسوّلات من شوارع البلدات العربية وما يرافقها من سوءات هذه الظاهرة. وبالأمس شهد أهالي طمرة شجارًا بين امرأتين فيما ألقي الطفل الذي تستخدمه النساء للتسوّل. ويأتي هذا فيما تحذر الجهات الحقوقية من اتساع رقعة هذه الظاهرة التي تستغل النساء والأطفال، من أجل تجار يجنون الأرباح.
خمايسي: استغلال النساء والأطفال في التسول تجارة بالبشر وعلى الشرطة تحمل مسؤولياتها
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
08:11
وقال خمايسي في حديثه لراديو الناس: "الوصف الدقيق لهذه الظاهرة هو الاتجار بالبشر، إذ يتم استئجار الأطفال وتشغيلهم بصورة مخالفة للقانون، وهو ما يشبه مفهوم الاستعباد الذي انتهى كمصطلح، لكنه حاضر فعليًا في واقع التسول". وأضاف أن "الشرطة قادرة على تطبيق القانون واعتقال كل من يقف خلف هذه العمليات، لكنها تتحمّل مسؤولية في تفاقم الظاهرة نتيجة تقاعسها".
استغلال بشع للأطفال للربح المالي
وأشار إلى أن انتشار الظاهرة يرتبط بالربح المادي الكبير الذي تحققه، موضحًا: "عندما يرى المستغِلّون أن استغلال الطفل يدرّ أرباحًا مالية، فإن ذلك يشجعهم على الاستمرار وتوسيع نشاطهم". وكشف أن "الأطفال الذين يُستغلّون في التسول قد يحققون يوميًا مبالغ تصل إلى ألف شيكل وأكثر، الأمر الذي يثبت أن ما يجري هو تجارة بكل معنى الكلمة".
وتابع خمايسي أن بعض الناس يتعاطفون مع هؤلاء المتسولين بدافع الشفقة، لكنهم في الحقيقة يساهمون في تعزيز الاستغلال. وقال: "صحيح أن المشهد يحرّك مشاعر الناس، لكن عندما يُدرك المستغلّون أن الموضوع مربح، فإنهم يستمرون ويزيدون من استغلال الضحايا".
ولفت إلى أن الظاهرة لا تقتصر على التسول فحسب، بل تؤدي إلى مشكلات اجتماعية وأخلاقية أخرى، موضحًا: "الأطفال والنساء يُجمعون في أماكن للمبيت بأعداد كبيرة، وهذا يفتح الباب أمام مخالفات أخرى غير أخلاقية".
القانون يرى فيها تجارة بالبشر
أما على الصعيد القانوني، فقد شدد على أن "القانون الإسرائيلي واضح في تعريف هذه الممارسات كاتجار بالبشر"، مشيرًا إلى أن "الشرطة وأقسام الشؤون الاجتماعية في البلدات العربية تملك الصلاحيات القانونية للتدخل وإنقاذ الأطفال ووضعهم في حضانات توفر لهم العلاج والحماية".
وأوضح خمايسي أن مركز ميزان توجه أكثر من مرة إلى المستشار القضائي للحكومة وهيئات رسمية أخرى مطالبًا بتطبيق القانون. وقال: "ليس من الصعب الوصول إلى من يقف خلف هذه العمليات؛ فالأطفال لا يهبطون من السماء إلى المفارق، بل يتم نقلهم وإيواؤهم من قبل جهات منتفعة معروفة".
كما كشف عن وجود تنسيق بين أقسام الرفاه الاجتماعي الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيلية في بعض الحالات لمعالجة أوضاع الأطفال بعد توقيفهم، مؤكدًا أن الهدف ليس العقاب، بل المعالجة وحماية الضحايا.
وختم خمايسي بالتأكيد على وجود تقاعس رسمي سواء من الشرطة أو من الكنيست في مناقشة القضية بجدية، وقال: "الضحايا الحقيقيون هم هؤلاء الأطفال والنساء الذين يُستَعبدون يوميًا، فيما تتغاضى السلطات عن مسؤولياتها".
معين عرموش: عصابات تدير التسوّل في بلداتنا والشرطة تغضّ الطرف
معين عرموش: عصابات تدير التسوّل في بلداتنا والشرطة تغضّ الطرف
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
05:40
وبدوره، حذّر الأستاذ معين عرموش، عضو بلدية طمرة وعضو اللجنة الشعبية، من خطورة تفشّي ظاهرة التسوّل والاتجار بالنساء والأطفال، معتبرًا أنّها انعكاس مباشر لازدياد نسب الفقر وتفكك الأسر وغياب التكافل الاجتماعي.
وقال عرموش في مقابلة مع راديو الناس: "كلّما ازدادت نسب الفقر والانهيار الأسري، وازداد التساهل مع هذه الظواهر، فإنّ حجم الاستغلال يزداد تبعًا لذلك. نحن نرى بأعيننا تزايد أعداد النساء والأطفال المتسولين في مفارق الطرق وداخل البلدات، وفي طمرة وحدها يمكن أن ترى أكثر من أربعين أو خمسين امرأة وطفلًا في النهار، بعضهم يحمل أطفالًا رُضّع قد لا يكونون أبناءهم أصلًا".
الأطفال والنساء مستَغلّون في الشوارع والظاهرة تتفاقم
وأوضح أنّ مدينة طمرة باتت نموذجًا واضحًا لهذه الظاهرة بحكم كونها مدينة سياحية وذات مدخل طويل يمتد لثلاثة كيلومترات، الأمر الذي يجذب "تجّار ومقاولي التسوّل"، مضيفًا: "هذه الظاهرة موجودة في كل المجتمع العربي، لكن في طمرة يلاحظها الأهالي بشكل مضاعف".
وعن خلفية هؤلاء المتسولين، قال: "لا توجد دراسات أو متابعة رسمية للأسف، لكن الاعتقاد السائد أنّ الغالبية العظمى يأتون من الضفة الغربية، وقد يكون بينهم أيضًا من مناطق أخرى مثل بئر السبع. وفي النهاية، هؤلاء يُستغلّون استغلالًا بشعًا من قبل عصابات منظّمة تدير عمليات التسوّل".
وتطرّق عرموش إلى حادثة حديثة انتشر لها مقطع فيديو يُظهر شجارًا بين امرأتين على قارعة الطريق وبجوارهما طفل قريب جدًا من السيارات المسرعة. وعلّق بالقول: "هذا نموذج حيّ للمخاطر الكبيرة التي تترتب على الظاهرة، فهي غير قانونية وغير أخلاقية وغير إنسانية".
نطالب بسنّ قانون مساعد لمكافحة التسوّل والاتجار بالبشر
وعن دور البلدية في مواجهة هذه الظاهرة، كشف عرموش أنّه كان قد توجه قبل عامين – قبل دخول الإدارة الحالية – برسالة رسمية إلى الشرطة وأقسام الرفاه الاجتماعي والبلدية، لكن دون أي تجاوب يُذكر. وأضاف: "الشرطة تعلم جيدًا أنّ هؤلاء النساء والأطفال يدخلون البلاد دون تصاريح، وتعلم أنّ عصابات التسوّل تستغلّهم، ومع ذلك لا تُتخذ أي إجراءات حقيقية".
وأكد أنّ البلديات أيضًا تتحمّل جزءًا من المسؤولية، قائلًا: "السلطات المحلية تعرف أن هؤلاء الأطفال في خطر، ومع ذلك لا تتحرك. نحن نتحدث عن نساء وأطفال مستغلين، يشكّلون خطرًا على أنفسهم وعلى حركة السير، وفي الوقت نفسه يُستغلّون بشكل مهين".
وشدّد على ضرورة وجود تحرك جماعي، سواء من السلطات المحلية أو المراكز الحقوقية واللجان الشعبية، مضيفًا: "أعتقد أنّ الحل الأول يكمن في سنّ قانون مساعد على مستوى البلدية يمنع هذه الظاهرة ويضع حدًا لها. وسأقترح ذلك على المجلس البلدي والإدارة في طمرة".



