في ظل التغيرات المتسارعة في بنية المجتمع والعائلة العربية، سلطت أخصائية العلاج الوظيفي هديل ناصر، المختصة في التقدم في العمر والشيخوخة، الضوء على أهمية تعزيز التواصل الاجتماعي والمشاركة في الأنشطة الترفيهية لأبناء الجيل الذهبي، محذّرة من التبعات النفسية والصحية للعزلة والوحدة، خصوصًا بعد مرحلة التقاعد.
الأخصائية هديل ناصر: العلاقات الاجتماعية والمشاركة الفعالة ضرورة لصحة كبار السن
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
10:09
جاء ذلك في مقابلة مع "راديو الناس"، حيث أكدت ناصر أن الإنسان، في مختلف مراحل حياته، يحتاج إلى التواصل والعلاقات الاجتماعية، وهذه الحاجة لا تقل مع التقدم في السن، بل تصبح أكثر إلحاحًا نتيجة تغيّرات حياتية كالتقاعد، رحيل الأصدقاء، وانتقال الأبناء للسكن خارج البلدات الأصلية.
وقالت ناصر: "الوحدة في الشيخوخة ليست حالة نادرة، حتى في مجتمعاتنا العربية التي تُعرف بالتماسك العائلي. هناك مسنون يقضون ما بين 8 إلى 10 ساعات يوميًا بمفردهم، رغم وجود أولاد وأحفاد."
العزلة خطر مباشر على الدماغ
وحذرت ناصر من أن العزلة والاكتئاب في سن الشيخوخة يشكلان عامل خطر كبير للإصابة بالخرف، قائلة: "الاكتئاب في الجيل الكبير يؤدي إلى تدهور ذهني ومعرفي سريع، وقد يكون مقدمة للخرف. التواصل الاجتماعي، بالمقابل، يعزز الحصانة النفسية ويعطي الإنسان شعورًا بالمعنى والانتماء."
وأضافت أن الأنشطة الذهنية مثل حل الألغاز وتعلّم مهارات جديدة، والأنشطة الجسدية كالمشي أو المشاركة في نوادي المسنين، تساهم في تحفيز الدماغ ورفع جودة الحياة، وتشكل وقاية حقيقية من الأمراض المرتبطة بالتقدم في السن.
"ضعوا المسن في المركز"
ودعت هديل العائلات إلى إعادة التفكير في دور المسنين ضمن الأسرة، مشددة على ضرورة تخصيص وقت ذي جودة لكبار السن، وعدم حصر أدوارهم في رعاية الأحفاد أو أداء المهام المنزلية فقط.
وأضافت: "من المهم أن نسأل كبار السن عمّا يحبون فعله، وما إذا كانوا يرغبون في المشاركة بالأنشطة في البلدة. في بعض الأحيان، يُحرم المسن من الخروج لأن أبناءه يفترضون تلقائيًا أنه سيعتني بالأحفاد."
كما أكدت على أهمية المبادرة المجتمعية تجاه المسنين الذين لا يستطيعون مغادرة المنزل، مشيرة إلى وجود مشاريع تطوعية في عدد من البلدات العربية، مثل برنامج "جيت بوقتك" أو زيارات جماعية للمسنين في بيوتهم، قائلة: "إذا كان المسن لا يستطيع الذهاب للنشاط، فلنأخذ النشاط إليه."
لنعيد صياغة صورة الشيخوخة
وفي ختام المقابلة، وجهت ناصر توصية مهمة: "دعونا نغيّر الرواية النمطية عن الشيخوخة. هذه المرحلة ليست نهاية، بل قد تكون فرصة للراحة، لاكتشاف الذات، ولعيش جودة حياة عالية بالأسلوب الذي يفضله المسن."
يُشار إلى أن المقابلة تأتي في سياق اهتمام متزايد من المؤسسات الصحية والمجتمعية بتعزيز الرفاهية النفسية والمعرفية لكبار السن، بعد أن أظهرت دراسات خلال جائحة كورونا تدهورًا سريعًا في صحة العديد من المسنين بسبب العزلة وفقدان الروتين الاجتماعي.
ومع اتساع الفجوة بين التقاليد الاجتماعية والواقع الحديث، تبقى مثل هذه الرسائل تذكيرًا بضرورة الاحتفاء بأبناء الجيل الذهبي، وضمان مشاركتهم الفعالة في حياة المجتمع.