أظهر تقرير اقتصادي جديد صادر عن بنك مزراحي طفحوت انخفاضًا حادًا في إنفاق الأسر في البلاد على المواد الغذائية، حيث تراجعت المشتريات في السوبرماركتات بنسبة 4.3% خلال شهر آذار 2025 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. هذا التراجع يأتي في ظل موجة الغلاء التي فرضتها كبرى شركات الأغذية والاستيراد مثل “ديبلومات”، و”شتراوس”، و”تنوڤا”، وغيرها، خلال الأشهر الماضية، ما تسبب بضغط كبير على القدرة الشرائية للأسر.
يوني فانينغ، كبير المحللين الاستراتيجيين في بنك مزراحي طفحوت، أشار في حديثه لموقع غلوبس إلى أن المواطن بلغ أقصى طاقته في الإنفاق على المواد الغذائية، وقال: “وصلنا إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان تجاوزه من حيث الإنفاق في السوبرماركت، والمستهلكون يعبّرون بوضوح عن رفضهم لمستويات الأسعار الحالية”.
البيانات تظهر أيضًا جمودًا في مجمل الإنفاق عبر بطاقات الائتمان خلال السنة الأخيرة بحسب بيانات بنك إسرائيل، وذلك بعد سنوات من النمو المستمر، ما يعكس تحولًا واضحًا في سلوك الاستهلاك العام.
لكن رغم هذا التراجع، فإن الإنفاق على المطاعم سجل ارتفاعًا ملحوظًا، وهو ما يراه فانينغ مؤشرًا على أن المستهلكين لا يقلّصون استهلاكهم بشكل عام، بل يوجهون اعتراضهم تحديدًا إلى أسعار المواد الغذائية في المتاجر، التي يعتبرونها مرتفعة أكثر من اللازم.
من بين التفسيرات الأخرى التي طُرحت لانخفاض المشتريات، الزيادة الكبيرة في عدد المواطنين المسافرين إلى الخارج قبل سقوط الصاروخ اليمني. فوفقًا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية، سافر في آذار 2025 نحو 851 ألف شخص، مقابل 532 ألفًا فقط في الشهر نفسه من العام الماضي، أي بزيادة تقارب 60%. ومع ذلك، يشكك فانينغ في أن يكون هذا هو السبب الرئيسي، مشيرًا إلى أن المسافرين يشكلون نحو 3% فقط من السكان، وأن معظمهم سافر لأسبوع واحد فقط في المتوسط، ما يجعل تأثيرهم على الإنفاق الغذائي محدودًا.
التحول الأهم، بحسب فانينغ، هو أن الشركات بدأت بالفعل تُدرك حجم التغيير في سلوك المستهلك. ويقول: “على عكس ما يشعر به الناس، فإن الأسعار لم تعد ترتفع كما كانت، بل بدأنا نرى بوادر كبح جماح الغلاء. يبدو أننا وصلنا فعليًا إلى سقف قدرة المواطنين على الإنفاق في المتاجر، والشركات بدأت تستوعب هذه الحقيقة”.
وقد أشار إلى حالات واقعية في السوق، مثل شركة שסטוביץ’ التي رفعت الأسعار بشكل متتالٍ خلال العامين الماضيين، لكنها أعلنت مؤخرًا عن خفض بنسبة 10%، بعد أن لاحظت تراجعًا في حصتها السوقية نتيجة تراجع الطلب. ويعلّق فانينغ: “من الواضح أن المستهلكين ردّوا بقوة، والشركات فهمت أن عليها التراجع. ما يجري الآن هو عملية جسّ نبض مستمرة، والشركات التي ترى أن هناك حدًا أعلى لا يمكن تجاوزه للأسعار تضطر إلى التراجع“.
ويُرجع فانينغ جزءًا من التغييرات السابقة في سلوك الاستهلاك إلى تأثير الحرب، حيث أدى الإنفاق الحكومي الضخم إلى تحسين مؤقت في القوة الشرائية، خاصة لدى الجنود الاحتياطيين الذين تلقوا مخصصات كبيرة، ما دفع الطلب إلى الأعلى. ومع تراجع العمليات القتالية وانخفاض عدد المستدعين للخدمة، تراجعت هذه القوة الشرائية، وبدأ الإنفاق في الهبوط.
البيانات تشير إذًا إلى بداية مرحلة جديدة، حيث يتحول الضغط من المستهلك إلى الشركات، ويُعاد رسم قواعد السوق على أسس أكثر واقعية، قوامها محدودية الدخل، والمحاسبة الشعبية لكل ارتفاع في الأسعار. الشركات التي ستفهم هذا التوازن مبكرًا، قد تنجو من خسائر أكبر، في حين أن الإصرار على الغلاء قد يؤدي إلى تآكل حصصها في السوق.
First published: 07:59, 14.05.25