تواصل قرارات التضييق على المؤسسات الثقافية في إسرائيل إثارة ردود واسعة في الأوساط الفنية، بعد إعلان وزير الثقافة الإسرائيلي، ميكي زوهار، وقف الميزانيات المخصّصة لمهرجان ثقافي في تل أبيب تحت عنوان "تضامن"، بسبب عرض فيلم يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. ويأتي هذا القرار في ظل موجة من الملاحقات والإجراءات الرسمية التي تطال قطاع الثقافة في البلاد خلال الأشهر الأخيرة.
الفنان أيمن نحّاس: القرار الأخير ليس حدثاً مفاجئاً بل يأتي ضمن سلسلة من الخطوات الممنهجة
غرفة الأخبار مع محمد أبو العز محاميد
07:26
في هذا السياق، قال الفنان أيمن نحّاس، المدير الفني لمسرح سرد، في مقابلة مع "راديو الناس"، إن القرار الأخير ليس حدثاً مفاجئاً بل يأتي ضمن سلسلة من الخطوات الممنهجة. وأضاف: "ما نراه اليوم ليس حالة منفردة، بل جزء من سياسة متكاملة تعيد تعريف المسموح والممنوع في الثقافة، وتضع حدوداً جديدة أمام المؤسسات والفنانين والجمهور."
سياسة تضييق مستمرة
وأوضح نحّاس أنّ مسرح سرد، إلى جانب مؤسسات ثقافية عربية أخرى، يواجه هذه الضغوط منذ أكثر من عام ونصف. وقال: "كل بضعة أيام نسمع تصريحاً جديداً، أو قراراً، أو تهديداً بقطع الميزانيات. هذا التلويح أصبح أداة ثابتة تستخدمها الجهات الرسمية للضغط على المشهد الثقافي."
وأشار إلى أنّ استهداف المؤسسات لا يأتي على شكل حوادث معزولة، بل بات نهجاً متكرراً يشمل مسارح ومراكز ثقافية عدة، بما في ذلك مسرح الحكواتي ومؤسسات في القدس وتل أبيب.
وسرد مثالاً حديثاً، قائلاً: "قبل أيام فقط، تعرّضت أمسية لإطلاق كتاب للشاعر سميح القاسم للتحريض داخل البلدية، وطُلب من الشرطة التدخل لوقفها. لم يحدث شيء في النهاية، لكنه جزء من سلسلة مضايقات هدفها أن يشعر الفنان بأنه غير آمن."
الخوف والعمل في "منطقة رمادية"
وحول تأثير وقف الميزانيات على الفنانين، قال نحّاس إن هذه التهديدات تفرض حالة من القلق الدائم: "نعم، هناك خوف. نحن نعمل في منطقة رمادية، نحاول أن نكتشف كل يوم أين المسموح وأين الممنوع. هذا القلق ليس بسيطاً، ويجعل الفنان منشغلاً بالدفاع عن وجوده بدل التركيز على عمله."
وأضاف أن التمويل الحكومي المتواضع أصلاً لا يغطي تكاليف تشغيل المسرح، ومع ذلك فإن تهديد وقفه يخلق حالة من انعدام الأمان الوجودي للمؤسسات: "نحن كمسرح نعمل منذ ثلاث أو أربع سنوات بميزانيات أقل بكثير مما يجب. ومع ذلك، حين يقال لنا إن الميزانيات قد تُوقف، نشعر بالخطر على مستقبل المؤسسة بأكملها."
تمويل مشروط وسؤال عن حرية التعبير
وفيما يتعلق بكون هذه الميزانيات مشروطة بولاء سياسي، تساءل نحّاس: "الفنان في نهاية الأمر يحتاج إلى موارد كي يواصل عمله. لكن المشكلة ليست فقط في التمويل، بل في محاولة فرض خطاب محدد على المؤسسات الثقافية. هذا ما يجعل السؤال اليوم: هل يُجبر الفنان على التنازل عن مضمونه كي يحافظ على الدعم؟"
ما الذي يجب على المجتمع فعله؟
وعن سبل حماية الحيّز الثقافي، شدّد نحّاس على أن الوعي هو البداية: "أول ما نحتاجه هو إدراك أن هذه الملاحقات ليست أحداثاً عابرة. الوعي والمعرفة هما الأساس."
وأكّد أن دعم الجمهور للمؤسسات الثقافية يشكل حاجزاً أساسياً في مواجهة التضييقات: "ليس مطلوباً من الناس الخروج إلى الشوارع في كل مرة، لكن مجرد الحضور إلى المسرح، شراء تذكرة، المشاركة… هذا يرسل رسالة بأن الفن مهم وأنه يمتلك جمهوره."
وأضاف: "الفن بلا جمهور لا معنى له، والجمهور بلا فن يخسر مساحة مهمة من حياته. وجودنا سوية، في تجربة جماعية، هو ما تحاول هذه السياسات منعه."
الثقافة كمساحة أمان اجتماعي
وختم نحّاس بأن الثقافة والفنون تلعب دوراً حيوياً في مواجهة العنف والتفكك الاجتماعي: "العمل الثقافي يخلق أماناً بين الناس، يبني ثقة، ويوحّد التجربة الجماعية. وهذا تحديداً ما يجعل هذه المساحة مستهدفة."


