أحدثت عملية السرقة التي استهدفت متحف اللوفر في باريس صدمة عميقة في فرنسا، بعد أن طالت جواهر التاج الوطني التي تُعدّ جزءًا من التراث التاريخي للبلاد، لكنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء العالمي على هذه القطع التي كانت حتى وقت قريب غير معروفة خارج فرنسا.
بعد أسبوع على الحادثة، أعلنت السلطات الفرنسية توقيف عدد من المشتبه فيهم، بينما ما تزال البلاد تعيش صدمة فقدان جزء من إرثها الثقافي. غير أن المفارقة، كما يرى بعض الخبراء، تكمن في أن الجريمة قد تُحوّل الجواهر المسروقة إلى رموز عالمية، تمامًا كما حدث للوحة "الموناليزا" التي سرقت عام 1911 ثم تحولت إلى أشهر عمل فني في العالم بعد استعادتها.
تقول الباحثة في التراث الفني بباريس، أنيا فايرستون، إن "الدراما والفضيحة والسرقة قد تجعل من قاعة أبولو في اللوفر والجواهر التي تبقت فيها نجومًا عالميين، كما حدث مع الموناليزا قبل أكثر من قرن". وتضيف أنها زارت القاعة عشية السرقة ولاحظت أن الحراسة لم تكن كافية.
 اللوفر محط أنظار الملايين مجددًا
وقد تحولت السرقة إلى حدث إعلامي عالمي، إذ غطت شبكات الأخبار من الولايات المتحدة إلى آسيا تفاصيلها، ما جعل اللوفر محط أنظار الملايين مجددًا. ويعتقد محللون أن ما حدث قد يعيد التوازن الرمزي بين جواهر التاج البريطاني الشهيرة وجواهر فرنسا التي طالما بقيت في الظل.
ومن بين القطع التي نجت من السرقة تاج الإمبراطورة أوجيني المرصع بالزمرد والمكون من أكثر من 1300 ماسة، والذي أصبح بعد سقوطه أثناء فرار اللصوص محور اهتمام الزوار. ويقول سائح من إسبانيا: "لم أكن قد سمعت بتاج أوجيني من قبل، والآن أصبح أول ما أريد رؤيته عند افتتاح القاعة من جديد".
وتضم القاعة أيضًا أحجارًا ثمينة بقيت في مكانها مثل "ألماسة الريجن" و"السانسي" و"الهورتنسيا". وقد أفادت السلطات باستعادة قطعة واحدة أخرى من بين المسروقات دون الكشف عن هويتها.
المتحف الذي يستقبل أكثر من 33 ألف زائر يوميًا أعاد فتح أبوابه بسرعة رغم الحادثة، لكن موظفيه يحذرون من ضغط إضافي على الأمن والموارد مع استمرار إغلاق قاعة أبولو.
قيمة تاريخية "لا تُقدّر بثمن"
تُقدَّر قيمة الجواهر المسروقة بأكثر من مئة مليون دولار، لكن قيمتها التاريخية "لا تُقدّر بثمن"، كما قال وزير الداخلية لوران نونيز، واصفًا الحادث بأنه "فقدان لا يُقاس من التراث الوطني". فهذه القطع تجسد مراحل من تاريخ فرنسا، من عهد الملوك إلى الإمبراطورية النابليونية وبدايات الجمهورية الحديثة.
وتشير التحقيقات إلى أن اللصوص تسلقوا واجهة المتحف المطلة على نهر السين مستخدمين رافعة، ونجحوا خلال دقائق في كسر زجاج العرض والفرار بدراجات نارية، رغم إطلاق صفارات الإنذار. وأقرّت مديرة المتحف لورانس دي كار أمام مجلس الشيوخ بـ"فشل خطير" في نظام المراقبة، مع غياب كاميرات تغطي بعض الزوايا الحيوية، وقدّمت استقالتها التي رفضتها وزيرة الثقافة.
أما الزوار، فقد بدأوا يتوافدون إلى المكان لمشاهدة "الفراغ" ذاته. يقول أحدهم: "جئت لأرى المكان الذي وقعت فيه السرقة، الجدار المغلق وحده يبعث القشعريرة". وتعلق فنانة فرنسية: "إنها الآن كالأشباح، لكن ما زال الأمل قائمًا في العثور عليها، فالقصة صارت جزءًا من القطعة نفسها".
ويرى خبراء المتاحف أن تدمير الجواهر أو إعادة صهرها سيكون "جريمة ثانية"، إذ تكمن القيمة الحقيقية في أصالتها وسلسلة تاريخها الممتدة من صانعها إلى من سرقها. وبينما تتواصل التحقيقات، يبقى السؤال الذي يلاحق المتحف: هل سيحوّل الفقد هذه القطع إلى أسطورة جديدة كما حدث قبل قرن مع الموناليزا؟



