3 عرض المعرض


ضحايا العنف والجريمة في المجتمع العربي من العام 2015 حتى نوفمبر 2025
(معطيات صندوق مبادرات إبراهيم)
منذ مطلع عام 2025، قُتل 221 مواطنًا عربيًا في جرائم عنف، بينهم 20 امرأة، وفق بيانات جمعية مبادرات إبراهيم. هذه الأرقام، التي ازدادت مع مقتل الشقيقين محمد وزياد مغربي في حيّ القطار بمدينة الرملة، تُعيد طرح السؤال الجوهري: كيف وصل المجتمع العربي إلى هذا الانهيار الأمني المتواصل رغم كل الوعود الرسمية؟
من "أبو يائير" إلى بن غفير: الطريق من الوعد إلى الفشل
في السنوات الأخيرة، كرّر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي قدّم نفسه في حملاته الانتخابية بلقب “أبو يائير”، وعوده بإنهاء الجريمة في المجتمع العربي. وعد بخطة بمليارات الشواقل، وبـ"عهد جديد من الأمان"، وبـ"لجنة وزارية برئاسته" لمعالجة العنف. كتب بالعربية على صفحاته، زار البلدات العربية، وخاطب جمهورها قائلًا: “سنضرب العنف والجريمة بكل قوة، مثلما نحارب الإرهاب وإيران.”
لكنّ هذه الوعود تبخّرت فور عودة نتنياهو إلى الحكم. فعوضًا عن تنفيذ الخطة الموعودة، سلّم وزارة الأمن القومي إلى إيتمار بن غفير، الذي حوّل ملف الجريمة إلى منصة سياسية وشعاراتية.
وعود "الردع" مقابل واقع الانفلات
مع دخول بن غفير الوزارة، تعهّد بـ“إعادة النظام” في المدن العربية، وصرّح بأنه “الوزير الذي يخدم الجميع، العرب واليهود”. لكن خلال عام واحد فقط من ولايته، شهدت البلدات العربية 244 جريمة قتل عام 2023 أعلى رقم في تاريخ البلاد تلتها 230 جريمة عام 2024، ومع نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بلغ عدد الضحايا 221 قتيلًا. أرقام غير مسبوقة تكشف فشلًا شاملًا في إنفاذ القانون، وتؤكد أنّ “الردع” لم يكن سوى شعار فارغ.
تدهور مضاعف بعد تفكيك الخطة 550
في موازاة ذلك، جرى تفكيك الخطة الاقتصادية 550 التي أقرتها حكومة التغيير لمعالجة الفجوات البنيوية في المجتمع العربي. هذه الخطة، التي كانت مخصّصة لتمويل التعليم، والبنية التحتية، والتشغيل، ومكافحة الفقر، أُوقفت عمليًا بعد تحويل إدارتها إلى الوزيرة ماي غولان، المعروفة بخطابها المعادي للعرب.
نتيجة ذلك، جُمّدت عشرات المشاريع البلدية، وتأخر تحويل مئات ملايين الشواقل إلى السلطات المحلية العربية، ما عمّق الإهمال البنيوي وزاد هشاشة البلدات الفقيرة أمام نفوذ العصابات.
شرطة بلا ثقة وقيادة بلا أدوات
تواصل الشرطة فشلها في تفكيك شبكات الإجرام المنتشرة في البلدات العربية، وسط معدلات متدنية في حلّ القضايا، واتهامات متكررة بالتقاعس والتمييز في تطبيق القانون. في عام 2024، أعلن المفتّش العام داني ليفي، فور تولّيه منصبه، عن “حرب شاملة على منظمات الجريمة” و”حملة طارئة لوقف موجة العنف”، وقال حينها:“أدعو منظمات الجريمة إلى العودة للطريق الصحيح، وإلا ستواجه شرطة حازمة ستفعل كل ما يلزم لإعادة الأمن إلى المواطنين.”
لكن بعد عام على تلك التصريحات، لم يتحقق أي تغيير ملموس؛ الجريمة ما زالت في تصاعد، والثقة بين المواطنين العرب والشرطة في تراجع متواصل.
في الوقت نفسه، تبدو القيادة العربية السياسية والمجتمعية غائبة عن المشهد، عاجزة عن بناء خطة ضغط موحدة أو تحريك الشارع في مواجهة هذا الانهيار، وسط انقسامات داخلية وغياب الثقة الشعبية .
من الوعود إلى الإهمال المؤسّس
ما يجري اليوم ليس أزمة مؤقتة، بل تحوّل بنيوي في علاقة الدولة مع مواطنيها العرب. فحين تُسلَّم ملفات الأمن والاقتصاد لمن لا يؤمن أصلًا بالمساواة، يصبح غياب الأمن نتيجة متوقعة لا استثناء.
تراكم الإهمال، وتفكك القيادة، وتعطّل الخطط الحكومية جعلت المجتمع العربي يعيش في فراغ سلطوي، تتحكم فيه العصابات بدل المؤسسات. وبين خطاب “الردع” الذي رفعه نتنياهو وشعارات “النظام” التي تباهى بها بن غفير، ضاع الأمان، وتحوّل الدم العربي إلى تفصيل يومي في مشهد سياسي لا يرى فيه أحد مسؤولًا.



