لا تزال الكاتبة والمؤرخة النصراوية نهى زعرب قعوار، المعروفة بلقب "أم اسكندر"، تمارس حضورها الثقافي والأدبي الفاعل رغم اقترابها من عامها التسعين. ففي بيتها المطلّ على مدينة الناصرة، تواصل إدارة "صالون نهى الأدبي"، الذي تأسس قبل 45 عامًا، وتحافظ على نشاطها اليومي في الكتابة والقراءة والرسم والزراعة المنزلية، وتقول إن "سرّ الصحة والذاكرة هو ألا يعطّل الإنسان عقله".
ذاكرة حية تروي مشاهد النكبة
في مقابلة إذاعية عبر برنامج "خارج الضوء" على راديو الناس، استعرضت قعوار أبرز المحطات في حياتها، متوقفة عند مشهد النكبة عام 1948، حين كانت طفلة في الثانية عشرة من عمرها. تحدثت عن اقتحام القوات الإسرائيلية منزل عائلتها في حي الخنوق، وكيف أُجبروا على الخروج تحت تهديد السلاح، وقالت: "أمرونا برفع أيدينا، أنا كنت الكبرى بين إخوتي، ولم أنسَ إلى اليوم ذلك المنظر، حين قتلوا جارنا سعيد الصفوري أمام أعيننا بعد أن ظن أن الجيش العراقي وصل لإنقاذنا".

وأضافت أن المدينة آنذاك كانت شبه خالية من أي سلطة حاكمة، مما ترك السكان في حالة من الفوضى والخوف، وأدى إلى موجة نهب لم تشهدها المدينة من قبل. وأوضحت أن والدها، الذي عمل في مجال المساحة وكان على علاقة بالإنجليز، واجه الجنود بشجاعة حين ضبط أحدهم يسرق حُلي والدتها، ونجح في استردادها بعد تدخل القائد المسؤول.
صالون أدبي منذ 45 عامًا
صالون نهى الأدبي، الذي يحمل اسمها، يُعد واحدًا من أقدم المنتديات الثقافية في الجليل. يُعقد اللقاء في الأربعاء الأول من كل شهر، ويجمع أدباء، كتابًا، وشعراء، بالإضافة إلى جمهور محبّ للأدب. وتقول قعوار إن الصالون بدأ صغيرًا ثم اتسع ليشمل كافة المهتمين، مشيرة إلى أن بعض المشاركين لم يكونوا متعلمين في البداية، لكنهم طوّروا مهاراتهم الكتابية بفضل هذا المحيط الأدبي الحاضن.
ورغم تقدمها في السن، تؤكد قعوار أنها ما زالت تواظب على تنظيم اللقاءات بنفسها، وتحرص على دعم المواهب الناشئة، مشيرة إلى أن "الصالون لا يقتصر على النخبة، بل يرحب بكل من يحمل حبًا للكلمة".
تاريخ الناصرة كما لم يُكتب
أمضت قعوار 18 عامًا في تأليف مجلد شامل عن تاريخ مدينة الناصرة، تناولت فيه الحقبات المختلفة من فجر المسيحية حتى نهاية فترة الانتداب البريطاني. استندت في عملها إلى وثائق عائلية وسرديات شفوية ومصادر تاريخية متعددة، وقالت إنها درست اللاهوت عبر المراسلة مع جامعة لندن خصيصًا لتتمكن من الكتابة عن البعد الديني والتاريخي للمدينة بدقة.

وتقول إن "الناصرة لم يُكتب تاريخها كما يجب"، مشيرة إلى أنها اكتشفت خلال البحث أن المدينة كانت تُوصف في بعض المصادر القديمة بأنها "مدينة يسكنها أشرار"، ما دفعها إلى تفنيد هذا التصور عبر توثيق الأثر الإنساني والثقافي لسكان المدينة عبر القرون.
من الأدب إلى أدب الأطفال
أصدرت قعوار عشرات المؤلفات في القصة والشعر والمسرح، بالعربية والعبرية، وكتبت كذلك كتبًا للأطفال مثل "العين الماسية" الذي حصل على جائزة كبرى عن فئتي الأدب العربي والعبري في إسرائيل، دون أن تعلم حتى أنها رُشحت لها. تقول: "أنا لا أعرف كيف أروّج لنفسي، لكنني أكتب بإخلاص".
أصل العائلة وقصص من الزمن الجميل
في سياق اللقاء، تطرقت قعوار إلى أصول عائلتها التي تنحدر من عكا ولبنان والأردن، وسردت تاريخ انتقال عائلتها إلى الناصرة، ودور جدها طنوس قعوار في تأسيس أول مجلس بلدي في المدينة. كما تحدثت عن زوجها، مدير المدرسة المعروف بهجات اسكندر قعوار، وعن بناتها اللواتي حملن أسماء مثل "سنة" و"مورة" و"صحر" المستوحاة من اللغة العربية والرمزية الشعرية.
First published: 09:29, 17.05.25