"أريدهم أن يذوقوا ما أذوقه" | أمّ تتجرّع المرّ وأبٌ يفقد سنده في دير حنا

"كان عمود البيت" - صرخة محمد سالم بعد مقتله ابنه رياض غدرا، ودموع والدته نسرين التي لا تكفكف دموعها تصرخ "ليجترعوا مرارة ما أشعر به"

اجترع المرّ وأتمناه لعائلات المجرمين: والدة رياض سالم تصرخ وجعا
رياض سالم، اسم آخر إلى قائمة الضحايا وعمره الفتيّ أصبح في غياهب الموت، كان ابنًا يوصي أمّه أن ترتاح، ويغسل سجاد البيت بيديه، ويؤجّل طعامه بانتظار أخيه، ويخرج ليلًا وهو مطمئن لأن قلبه كان أنقى من الخوف. في تلك الليلة، خرج رياض بدافع الشهامة، كما اعتاد دائمًا، ولم يكن يعلم أن خطواته الأخيرة ستُحوَّل إلى فاجعة، وأن البيت الذي كان عموده سيفقد توازنه دفعة واحدة.
تجلس الأم اليوم أمام فراغ لا يُحتمل، تتذوّق مرًّا لم تتخيله يومًا، وتبحث في زوايا البيت عمّن كان يملأه حياة. أبٌ فقد سنده ويمناه، وبيتٌ صمتت ضحكاته فجأة. وبين أمٍ مكلومة وأبٍ مكسور، تقف دير حنّا مرة أخرى أمام جريمة جديدة، وجرح مفتوح، وسؤال ثقيل: إلى متى يستمر هذا النزيف؟
حالة من الحزن والأسى والألم واللوعة تعيشها دير حنّا المنكوبة بحزن لا ينتهي، عقب مقتل الشاب رياض سالم في جريمة إطلاق نار هزّت البلدة وأعادت إلى الواجهة تصاعد العنف والجريمة في المجتمع العربي، وسط غياب الردع واستمرار تفشي السلاح غير المرخّص.

الأم: "أريد أن يذوقوا مرارة ما أذوقه"

بصوتٍ مكلوم وقلبٍ مثقل بالفقد، عبّرت نسرين سالم، والدة المرحوم، عن وجعها العميق، قائلة: «أتمنى أن يذوق القاتل وكل من شارك في هذه الجريمة مرارة الألم نفسها التي أعيشها اليوم. ما أذوقه مرّ وصعب، ولم أكن أتخيّل يومًا أن أصل إلى هذا الوجع».
وأضافت الأم المفجوعة أن نجلها كان إنسانًا مسالمًا لا عداوات له، مشيرة إلى أنها كانت تخاف عليه وتنصحه بعدم السهر ليلًا، لكنه كان يطمئنها دائمًا: «كان يقول لي: لا تخافي عليّ، فأنا نظيف اليد وشريف، ولا أؤذي أحدًا. لو كان لي عدو لما خرجت من البيت».
وتستذكر الأم تفاصيل يومه الأخير بحسرة قائلة: "كان قريبًا مني جدًا، يتصل بي وهو في طريقه من العمل، يطلب مني تجهيز الطعام أو تشغيل سخان الماء ليستحم. كان يساعدني في كل شيء داخل البيت، يغسل، وينظف، ولا يتركني أعمل شيئًا. اليوم رحل، ولا أدري من سيعوضني عنه".

الأب: "كان عمود البيت وسندي"

من جهته، قال محمد رياض سالم، والد الشهيد، إن ابنه كان عماد العائلة وسندها الحقيقي: «رياض كان إنسانًا مسالمًا، طيب القلب، محبوبًا من الجميع. كان عمود البيت، ويدي اليمنى، لا يتأخر عن مساعدة أحد، في الأفراح كما في الأحزان».
وأشار الأب إلى أن آخر لحظاته مع ابنه ما زالت محفورة في ذاكرته، موضحًا أن رياض خرج ليتفقد مصدر أصوات إطلاق نار، رغم تحذيره له: «طلبت منه ألا يخرج، لكنه خرج بدافع الشهامة. بعد لحظات وجدته ملقى على الأرض. لم أتصور أن يكون قد أُصيب برصاص. تلك اللحظة سترافقني ما حييت».
وتساءل الأب بحرقة عن مصير الشباب المنجرّين إلى العنف: «إلى أين يسير هؤلاء؟ هل القتل أصبح أمرًا عاديًا؟ أليس القتل محرّمًا؟ هل من أجل المال تُزهق الأرواح؟».

قاسم سالم: "نحن لا نتحدث عن رقم بل عن إنسان"

بدوره، قال المحامي قاسم سالم، رئيس مجلس دير حنّا السابق وقريب العائلة، إن الجريمة شكّلت صدمة ليس فقط للعائلة، بل للبلدة بأكملها: «نحن لا نتحدث عن رقم يُضاف إلى نشرات الأخبار، بل عن شاب في مقتبل العمر، خلوق، محبوب من الجميع، لم يكن له أي خلاف أو مشكلة مع أحد».
وأضاف أن خطورة ما يجري تكمن في أن العنف بات يطرق أبواب البيوت الآمنة دون سابق إنذار: "الجرائم باتت تدخل كل بيت غصبًا عنه. هذا واقع لا يمكن احتماله، ويبعث على القلق المتزايد عامًا بعد عام".
وشدّد سالم على أن المجتمع لا يُعفى من مسؤوليته التربوية والأخلاقية، لكنه حمّل المؤسسة الحاكمة والشرطة المسؤولية الأساسية: "نحن لا نطالب بامتيازات، بل بحقنا الطبيعي في العيش بأمن وأمان. جمع السلاح وملاحقة المجرمين هو واجب الدولة والشرطة، والقصاص العادل هو وحده الكفيل بردع الجريمة".
وختم حديثه برسالة مباشرة إلى الشباب: "هذا الطريق لن يقود إلا إلى الهلاك لكم ولعائلاتكم. عودوا إلى رشدكم، فالعنف لا يبني مستقبلًا ولا يحفظ كرامة".