1 عرض المعرض


الطفل ياسين - قضية هزت الرأي العام في مصر
((وفق البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007)))
أثارت قضية "الطفل ياسين"، ضحية اعتداء جنسي داخل مدرسة خاصة بمحافظة البحيرة، موجة جدل عارمة في مصر، تركزت حول ممارسات وسائل الإعلام في تغطية قضايا الأطفال، خاصة ما يتعلق بخصوصيتهم وسلامتهم النفسية. الحادثة، التي جذبت اهتماماً شعبياً وإعلامياً واسعاً، دفعت جهات رسمية أبرزها "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" إلى التدخل والتحذير من التغطيات التي تغلب الإثارة على المعايير الأخلاقية.
وفي أولى جلسات محاكمة المتهم، الذي يبلغ قرابة التسعين عاماً، شهدت قاعة محكمة جنايات دمنهور حضوراً كثيفاً للإعلام وكاميرات التصوير، ما أثار تساؤلات بشأن مراعاة خصوصية الطفل الذي حضر الجلسة متخفياً بزي "سبايدرمان" لحماية هويته. المحكمة أصدرت حكماً ابتدائياً بالسجن المؤبد ضد المتهم، فيما لا تزال القضية قيد الطعن.
دعوات رسمية لحماية خصوصية القُصّر
"المجلس الأعلى للإعلام" أصدر بياناً حاسماً شدد فيه على ضرورة التزام وسائل الإعلام بميثاق الشرف وضوابط النشر، خصوصاً في القضايا التي يكون أحد أطرافها طفلاً، سواء كان ضحية أو متهماً أو شاهداً. ولفت البيان إلى خطورة أي محتوى يكشف هوية الطفل أو يمس بكرامته، مؤكدًا على أهمية الحد من التعامل المباشر مع القُصّر، وأن يتم ذلك عند الضرورة القصوى وباحترام كامل.
خبراء يحذرون: الأكواد وحدها لا تكفي
من جانبها، اعتبرت الدكتورة منى الحديدي، أستاذة الإعلام وعضو المجلس الأعلى للإعلام في مصر، أن قضية الطفل ياسين كانت سبباً مباشراً لتفعيل القوانين الأخلاقية بصرامة. وأشارت إلى أن المعضلة تكمن أحياناً في جهل العاملين بأكواد المهنة أو تجاهلها سعياً وراء التفاعل والمشاهدات. ودعت إلى مزيد من التوعية والتدريب، بالتوازي مع فرض رقابة مهنية على المحتوى المتعلق بالأطفال.
وأكدت الحديدي أن المجلس استحدث لجنة فرعية تُعنى بـ«إعلام النشء» لتطوير الضوابط بما يواكب التطورات التكنولوجية، معتبرة أن احترام حقوق الطفل يجب أن يكون جزءاً من وعي الصحافي لا مجرد التزام قانوني.
صحافة مسؤولة أم سباق للمشاهدات؟
بدورها، قالت علا الشافعي، رئيسة تحرير صحيفة "اليوم السابع"، إن تغطية القضية جرت في مؤسستها باحترام كامل لخصوصية الطفل، دون نشر صور أو تفاصيل شخصية، وهو ما يعكس – بحسبها – وعياً مهنياً متزايداً لدى عدد من الصحافيين والمؤسسات.
في المقابل، حذّرت من صفحات التواصل الاجتماعي التي يديرها غير المتخصصين، معتبرة أن بعضهم يستغل القضايا الإنسانية لجلب التفاعل، على حساب أخلاقيات النشر، واصفة هذه الممارسات بـ"تعرية الناس".
الضرر النفسي والاجتماعي... الثمن الذي يدفعه الطفل
وحذرت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، من التبعات النفسية العميقة التي قد تصيب الأطفال عند تداول قضاياهم إعلامياً، حتى وإن كانت بنوايا توعوية. وأوضحت أن الكشف عن هويتهم قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية، مشددة على ضرورة تناول الطفل كـ"حالة إنسانية" لا كعنوان مثير.
الصحافي بين ضغوط السبق وأخلاقيات المهنة
شيماء القرنشاوي، الصحافية المتخصصة في الحوادث، رأت أن أداء الصحافي المسؤول لا يُبنى فقط على القوانين، بل على الضمير المهني والتدريب المستمر. وأكدت على ضرورة فرض عقوبات رادعة بحق من ينتهك أكواد النشر، خاصة في قضايا الأطفال التي تتطلب أعلى درجات الحذر.
هذا وتُعيد قضية الطفل ياسين التأكيد على أهمية وجود إعلام يُعلي من شأن الكرامة الإنسانية، لا سيما حين يكون الضحايا من الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال. وبينما تتجه المؤسسات الرسمية إلى تعزيز أدوات الرقابة والضبط، تبقى مسؤولية التنفيذ على عاتق الصحافيين والمؤسسات، الذين تقع عليهم مهمة تحقيق التوازن بين الحق في التغطية والحق في الحماية.