كشفت عضو الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عايدة توما سليمان، عن قرارها بعدم الترشح للكنيست في الدورة القادمة، معلنة بذلك اعتزالها الحياة البرلمانية بعد عشر سنوات من العطاء السياسي المكثف.
وفي حديثها لبرنامج حوار خاص مع د. فراس خطيب، قالت توما سليمان: "لقد كانت تجربة فريدة من نوعها، ملؤها التحديات والانتصارات، ولكني أشعر اليوم أن الوقت قد حان لكي أغادر هذا المضمار السياسي وأفسح المجال للأجيال الجديدة من القيادات الشابة التي تحمل على عاتقها حمل النضال من أجل مجتمعنا."
النائبة عايدة توما لراديو الناس: سأعتزل العمل السياسي في الكنيست ولكنني لن أعتزل السياسة
حوار خاص مع د. فراس خطيب
42:58
وأضافت: "لم يكن القرار سهلاً، بل هو نتاج تفكير عميق وتأمل في المرحلة التي نمر بها، وفي المستقبل الذي نطمح إليه. أعتقد أن من واجبنا أن نمنح الفرصة لأصوات جديدة، لرؤية جديدة، وحيوية جديدة، حتى يستمر نضالنا ويزداد تأثيره." وأردفت توما سليمان: "أغادر البرلمان برصيد من الفخر لما أنجزته ولللحظات التي كانت فيها صوتاً لأولئك الذين لا يُسمع صوتهم، وسأبقى في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق شعبنا خارج أروقة الكنيست."
وأكدت أنها ستواصل نشاطها السياسي والاجتماعي من خارج قبة البرلمان، مشددة على أن مسيرتها في العمل من أجل السلام والمساواة لم تنتهِ، بل ستتخذ أشكالاً جديدة، بعيداً عن إطار المؤسسة البرلمانية.
ناصرة الأصل، عكاوية الهوى
واستضاف راديو الناس النائبة عايدة توما سليمان، لتتحدث ببرنامج حوار خاص عن تجربتها السياسية التي امتدت لعقد كامل، وعن المشاهد التي تركتها في تاريخ السياسة الإسرائيلية-العربية، وعن لحظات العزة التي عاشتها، وكذلك عن الانقسامات والتحديات التي رافقتها.
في بداية الحوار، عرّفت النائبة عايدة توما سليمان عن نفسها قائلة: "أنا ابنة الناصرة، حيث ولدت ونشأت، وكوني نشأت في هذه المدينة، فقد انعكست على فكري وهويتي الشخصية سمات وتاريخ هذه المدينة العريقة، التي عايشت في تاريخها فترات هامة. بعد ذلك انتقلت للعيش في مدينة عكا حيث أسرتي وأبنائي." وأضافت: "لا زلت مستقرة في عكا وأعتز بانتمائي لهذه الأرض."
وتحدثت توما سليمان عن فقدان زوجها الراحل جريس في عام 2011، وقالت: "كان رحيله مبكرًا جدًا، فقد توفي عن عمرٍ يناهز 47 عامًا إثر مرض مفاجئ بعد خمسة أشهر من معرفتنا به. ورغم الألم، فإنني ممتنة لوجود بنتين وحفيدين يشكلون لي مصدر شحن للطاقة والاستمرارية."
لحظة الانتصار: القائمة المشتركة وتوحيد القوى
تطرقت النائبة إلى ذكرياتها من دخولها البرلمان عام 2015 ضمن القائمة المشتركة التي جمعت المركبات الأربعة في قائمة انتخابية واحدة، معتبرة ذلك "لحظة فخر وانتصار كبير لجماهيرنا العربية التي شعرت للمرة الأولى أننا نتحكم في مصيرنا، وأن لدينا القوة لنقرر ما نريد." وقالت: "كان ذلك اليوم شعورًا بالانتصار ليس فقط لأعضاء القائمة المشتركة الـ13، بل لكل مجتمعنا العربي، حيث شعر الناس في أماكن عملهم وفي بيوتهم بالقوة والأمل."
لكنها أضافت بأن هذه الوحدة كانت بحاجة إلى أكثر من مجرد توحيد شكلي، وأسهبت في هذا السياق: "كنت من المعارضين لتشكيل القائمة المشتركة في البداية، لأنني خشيت أن تمحي هوية فكرية معينة، ولكننا اجتمعنا لمواجهة خطر إلغاء التمثيل السياسي العربي بسبب نسبة الحسم، وهذا ما جعلنا ننتصر. ومع ذلك، لا بد أن تكون الوحدة وحدة نضالية تتجاوز مجرد أداة انتخابية."
تحديات الكنيست و"العنف السياسي"
لم تخلُ فترة عملها البرلماني من التحديات، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت تصاعدًا في العنف السياسي والقمع، حيث قالت: "في السنتين ونصف الأخيرتين عشنا أجواء قمع وعنصرية وفاشية شديدة في الشارع والكنيست. شهدنا صراعات واعتداءات جسدية، وكان هناك تهجم علينا من أناس يصفون أنفسهم بالليبراليين ويتهجمون على من يدعو للمساواة والعدالة."
وتحدثت عن لحظات صعبة في جلسات الكنيست بعد حرب أكتوبر 2023، حيث وقف عدد قليل فقط من النواب العرب معارضين للحكومة، وقالت: "كانت لحظة صعبة أن نكون خمسة فقط في الكنيست يعارضون ما يحدث. لقد شاهدنا تحالفات مع قوى فاشية تهدد وجودنا."
مواقف جدلية في المجتمع العربي
لم تتهرب النائبة من المواقف الجدلية التي اتخذتها، ومنها رفضها لعلاجات التحول الجنسي ومنعها من إلقاء محاضرات في بعض القرى، لكن رغم ذلك، قالت: "رغم المحاولات لمنع محاضراتي، إلا أنني استطعت إلقاء محاضرة في المدينة نفسها بحضور يفوق التوقعات. لم أتراجع عن مواقفي التي أراها مدعومة بأفكار ومبادئ."
تقييم عشر سنوات من العمل البرلماني
وحين سُئلت عما إذا كانت تندم أو تنظر بعين الغضب إلى عشر سنوات من العمل، أجابت بثقة: "أنظر إلى العقد الماضي باعتزاز، فأنا أعتقد أنني أوكلت إلي مهمة أديتها بكل جدارة. كانت سنوات مليئة بالتحديات، لكني سعيدة بأنني تمكنت من رفع صوت الناس الذين لا يصل صوتهم إلى مواقع اتخاذ القرار، ونجحت في تحقيق تشريعات وتغيير سياسات مهمة."
رؤية للمستقبل: "مواجهة الفاشية"
أما حول الوضع الحالي والتحديات القادمة، فقد أكدت توما سليمان على أهمية الوحدة الوطنية لمواجهة ما وصفته بـ"الفاشية التي تهدد وجودنا"، قائلة: "نحن نواجه معركة وجودية في هذه البلاد، حيث تسعى بعض القوى إلى إلغاء مفهوم المواطنة الفلسطينية وتهديدنا سياسياً واجتماعياً. في هذه المعركة، لا مجال للانفراد أو التنقلات السياسية الصغيرة، بل نحتاج إلى مشروع وطني موحد نضالي يتجاوز مجرد قائمة انتخابية."
وحذرت من أن "التعاون مع التيارات التي لا تملك الجرأة على مواجهة الفاشية ليس حلاً" قائلاً: "لا يمكن أن نعتمد على أي طرف لا يمتلك الشجاعة لمواجهة الفاشية ووقف سياساتها العنصرية."
وختمت حديثها بالتأكيد على أن المجتمع العربي هو قوة لا يستهان بها في المعادلات السياسية المقبلة: "إذا ما تم استثمار صوتنا بشكل صحيح، يمكننا أن نكون حاسمين في تشكيل الحكومة القادمة، وأن نحمي وجودنا ونحقق مطالبنا الوطنية والاجتماعية."



