تدخل إسرائيلي في سوريا لـ"حماية الدروز" يهدد بتصعيد إقليمي

الاشتباكات الأخيرة، التي اندلعت على خلفية تسريب تسجيل مفبرك ينسب إساءة للمسلمين من أحد مشايخ الدروز، فجّرت موجة عنف واسعة في جرمانا وصحنايا، وأسفرت – بحسب تقديرات غير مؤكدة – عن مقتل نحو 90 شخصًا، معظمهم من مقاتلي الطرفين، إلى جانب عدد من المدنيين. 

راديو الناس|
1 عرض المعرض
الرئيس السوري أحمد الشرع
الرئيس السوري أحمد الشرع
الرئيس السوري أحمد الشرع
(تصوير: الرئاسة السورية)
في ظل تصاعد التوترات في سوريا عقب الاشتباكات العنيفة بين عناصر درزية وقوات النظام السوري في محيط دمشق، تتجه إسرائيل نحو مزيد من التدخل العسكري تحت عنوان "حماية الدروز"، لكنها تواجه خطر الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تشمل النظام السوري، مجموعات محلية مسلحة وحتى تركيا. الاشتباكات الأخيرة، التي اندلعت على خلفية تسريب تسجيل مفبرك ينسب إساءة للمسلمين من أحد مشايخ الدروز، فجّرت موجة عنف واسعة في جرمانا وصحنايا، وأسفرت – بحسب تقديرات غير مؤكدة – عن مقتل نحو 90 شخصًا، معظمهم من مقاتلي الطرفين، إلى جانب عدد من المدنيين.
وفي محاولة لتثبيت حكمه وكسب شرعية دولية، يسعى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، المعروف بلقب "الجهادي بربطة عنق" كما يصفه الإسرائيليين، إلى الظهور كزعيم معتدل، لكنه يفتقر إلى سيطرة فعلية على الأرض، حيث يعتمد جزئيًا على مقاتلين أجانب وجهاديين، ويجد صعوبة في فرض النظام، خصوصًا في المناطق ذات الأغلبية الدرزية.
في ظل هذا الفراغ الأمني، دخلت إسرائيل على الخط، معلنة تنفيذ سلسلة غارات ضد مواقع تابعة للنظام السوري، من بينها ضربة قرب القصر الرئاسي في دمشق، كرسالة تحذيرية، أعقبها قصف مكثف لمستودعات أسلحة وبنى عسكرية. بالتوازي، نقلت تقارير عن تقديم إسرائيل مساعدات إنسانية للدروز وقيامها بإجلاء مصابين للعلاج داخل أراضيها.
لكن هذا التصعيد يطرح تساؤلات استراتيجية، إذ تُتهم إسرائيل – سواء من النظام السوري أو من خصومه المتشددين – بأنها تحاول تقويض وحدة البلاد، ودعم أقلية درزية حليفة لها في سوريا، الأمر الذي قد يعزز من صورتهم كـ"عملاء" أو "أدوات إسرائيلية"، ويعرّضهم للخطر بدل حمايتهم.
في الداخل السوري، تعكس المواقف الدينية انقسامًا واضحًا داخل الطائفة الدرزية: الشيخ حكمت الحَجَري يدعم التدخل الإسرائيلي ويدين النظام، بينما يدعو مشايخ آخرون إلى الحوار الوطني ورفض التدخل الخارجي، وهو ما خلق حالة من الارتباك والانقسام في الشارع الدرزي السوري.
أما في إسرائيل، فقد أظهرت الطائفة الدرزية وحدة نادرة، عبر احتجاجات وبيانات رسمية وضغط على الحكومة للتدخل بشكل أكثر فاعلية، وسط مشاعر غضب عارمة على ما وصفوه بـ"التقاعس الإسرائيلي" في حماية أبناء الطائفة في سوريا.
من جانبه، صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس خطابه موجهًا تحذيرًا إلى النظام السوري: "إن لم تتوقف الاعتداءات على الدروز – سيكون الرد الإسرائيلي شديدًا".
إلا أن هذا التدخل لا يخلو من تبعات خطيرة، إذ قد يؤدي إلى صدام مباشر مع النظام السوري، ويزيد احتمالية الاحتكاك مع تركيا التي تسعى لتوسيع نفوذها في وسط سوريا، وقد تم استهداف بعض مواقعها بالفعل من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في رسائل ضمنية بعدم تجاوز الخطوط الحمراء.
تدرك إسرائيل أن التورط العميق في الساحة السورية محفوف بالمخاطر، فالدعم العلني للدروز قد يعرّضهم لمزيد من العداء، ويعزز الرواية القائلة بأنهم وكلاء لإسرائيل، ويُغذي خطابًا متشددًا في سوريا وخارجها، بينما يتصاعد الضغط الدولي ضد الانتهاك المتكرر للسيادة السورية.
في هذه المرحلة، ربما تحتاج إسرائيل إلى تغيير المقاربة: من الضربات العسكرية إلى استراتيجية أكثر توازنًا، تشمل تقديم مساعدات إنسانية للدروز، وتمرير رسائل سياسية واضحة للنظام، مع تحفيز المجتمع الدولي على لعب دور فاعل في التهدئة، بدلًا من السير نحو صدام جديد قد لا يخدم أمن إسرائيل على المدى الطويل.