تتصاعد التوترات على السياج الحدودي بين إسرائيل ولبنان مع استمرار تبادل الاتهامات والعمليات العسكرية. ونقلت وكالات عن مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين أن إسرائيل تضغط على قيادة الجيش اللبناني لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة بهدف نزع سلاح حزب الله، من ضمنها عمليات تفتيش في منازل خاصة بجنوب البلاد — وهو مطلب رفضه حتى الآن القائد العام للجيش اللبناني الذي يخشى أن يؤدي إلى "إشعال صراع داخلي" ويقوّض استراتيجية نزع السلاح التي يعتبرها الجيش "مقاسة وفعّالة".
في المقابل، استمرّ الجيش الإسرائيلي منذ فجر اليوم في تنفيذ ضربات جوية وأعمال عسكرية في جنوب لبنان. وأفادت تقارير لبنانية بأن قوات إسرائيلية فجّرت مبانٍ في بلدة حولا، وأنها شنت هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مركبة على طريق صيدا-صور بمنطقة البِسارية، ما أسفر، بحسب قناة "الميادين"، عن مقتل شخص واحد. كما وردت تقارير عن استخدام طائرات مسيّرة في هجمات على قرى أخرى بالقرب من صور، بالإضافة إلى غارات في مناطق الريحان والبقاع ومدينة الهرمل ومنطقة الجرماك.
تقدّم الجيش اللبناني: أنفاق وصواريخ مُصادرة
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين لبنانيين قولهم إنهم يثقون بقدرة الجيش على إعلان جنوب لبنان "منزوَع السلاح" بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بحلول نهاية عام 2025، مشيرين إلى أن عمليات تمشيط في الوديان والغابات كشفت أكثر من خمسين نفقًا وصادرت أكثر من خمسين صاروخًا موجهًا ومئات القطع والأسلحة الأخرى. مع ذلك، شدد هؤلاء على أن خطة الجيش لم تتضمن من الأصل تفتيش مساكن خاصة، وهو ما تشكّك إسرائيل في فعاليته ما لم تُنفّذ إجراءات أوسع تشمل منازل المدنيين.
وأفادت أن إسرائيل أعادت طرح مطلبها خلال اجتماعات "المِـنْـظّـمَـة" (آلية بقيادة الولايات المتحدة تضم ضبّاطًا لبنانيين وإسرائيليين) في أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثم كثّفت أنشطتها البرية والجوية في جنوب لبنان بزعم مواجهة محاولات إعادة تسليح من جانب حزب الله.
قلق لبناني من "الاستسلام" مقابل اتهامات إسرائيلية لإعادة تسليح حزب الله
وقال مسؤول لبناني إنّ عمليات تفتيش من منزلٍ إلى منزل قد تُنظر إليها محليًا كدليل "على الاستسلام لإسرائيل"، في إشارة إلى الذكريات التاريخية لاحتلال أجزاء من جنوب لبنان لفترات طويلة. وحذّر الجيش اللبناني من أن تغيّر إسرائيل لمتطلباتها بشكل متكرر قد يخلق "خطرًا دائمًا للتصعيد العسكري" ويُعرقل جهود استقرار البلاد التي تمرّ بأزمات سياسية واقتصادية.
من جهتها، تُصرّ السلطات الإسرائيلية على أن حزب الله يسعى لإعادة تسليح نفسه بالاعتماد على مستودعات في الجنوب وشماله، وأن الجيش اللبناني فشل في التصدي لهذه المحاولات بالشكل الكافي. وتقوم إسرائيل بتزويد آلية "المنظّمة" بمعلومات استخباراتية عن مواقع مشتبه بها، إضافة إلى قيامها بعمليات مباشرة تستهدف تحويلات أسلحة، أو عندما تقرر أن الجيش اللبناني "لم يتحرّك بسرعة كافية".
نبرة دفاعية لبنانية وإسرائيلية متشددة
وكان نتنياهو قد قال في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني إنّ إسرائيل "تتوقع من حكومة لبنان تنفيذ ما التزمت به بشأن نزع سلاح حزب الله"، وأضاف أن إسرائيل ستمارس "حقها في الدفاع عن نفسها" وفق شروط وقف إطلاق النار ولن تسمح بجعل لبنان "مواجهة" معها مجدداً.
من جانبه، دعا رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الجيش إلى توسيع سلطة الدولة على كامل الأراضي والحدود وفرض "سيادة كاملة" لوقف الضربات الإسرائيلية وسحب القوات الإسرائيلية من النقاط التي تحتلها داخل الأراضي اللبنانية، مشدداً على أن أي حل يجب أن يقترن بمسار تفاوضي يرى فيه لبنان "الطريق الوحيد" لتحقيق أهدافه الوطنية.
دور الوساطة الأميركية وتردد حزب الله
وتضغط الولايات المتحدة على بيروت لفتح قنوات سياسية مع إسرائيل بهدف تثبيت وقف إطلاق النار وتحقيق حل دائم للنزاع الحدودي، ودعا المبعوث الأمريكي توماس بارك إلى حوار مباشر مع إسرائيل. أما حزب الله فكرر رفضه التفكك الكامل عن السلاح، وصرّح علنًا بأنه يحتفظ بحق "مشرّع" للدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، فيما تُشير مصادر إسرائيلية إلى أن لدى الحزب رغبة في البقاء كقوّة فاعلة داخل المشهد اللبناني والحفاظ على علاقاته الوثيقة مع ايران.


