تركيا تصعّد ضد إسرائيل وتدعو لتفكيك التحالف مع قبرص واليونان

أنقرة تتهم إسرائيل بمحاولة إنشاء "طوق خنق" إستراتيجي حولها عبر التحالف مع قبرص واليونان

2 عرض المعرض
 الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
 الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
(تصوير: الرئاسة التركية)
تشهد العلاقات بين تركيا وإسرائيل توتراً متزايداً على خلفية الوجود العسكري الإسرائيلي في جمهورية قبرص، إذ صعّدت أنقرة خطابها السياسي متهمة أسرائيل بالسعي إلى تشكيل "طوق خنق" إستراتيجي حولها عبر التعاون العسكري مع اليونان وقبرص. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أحد أبرز المقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان، في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT)، إن على أنقرة "العمل على تفكيك التحالف الإسرائيلي-اليوناني-القبرصي"، مضيفاً بلهجة تهديد واضحة:
"تركيا ستضرب أولاً إذا اقتضت الضرورة" وأشار فيدان إلى أن بلاده "تتابع عن كثب محاولات بعض الدول لتطويقها"، محذراً من أن الفشل في احتواء الموقف دبلوماسياً قد يؤدي إلى تدخل أمني مباشر من قبل القوات التركية.
الخلاف يتفاقم بسبب المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في قبرص يأتي التصعيد التركي في أعقاب نشر منظومات دفاع جوي إسرائيلية من طراز "باراك MX" في جمهورية قبرص. ورغم أن هذه المنظومات دفاعية بطبيعتها، ترى أنقرة أنها تهدد حرية حركتها الجوية في شرق البحر المتوسط، خاصة وأن مدى تغطيتها يصل إلى نحو 400 كيلومتر، ما يطال مناطق ضمن المجال التركي.
2 عرض المعرض
أردوغان أمام الأمم المتحدة
أردوغان أمام الأمم المتحدة
أردوغان أمام الأمم المتحدة
(تصوير شاشة)
الباحثة د. غاليا ليندنشتراوس من "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب أوضحت أن القلق التركي ناجم عن اتساع نطاق التعاون الدفاعي بين نيقوسيا وتل أبيب، مشيرة إلى أن أنقرة ترى في ذلك سيناريو مشابهاً لأزمة منظومات S-300 الروسية التي نُقلت من قبرص إلى اليونان بعد احتجاج تركي في التسعينيات. وأضافت ليندنشتراوس:"تركيا تعتبر نفسها لاعباً رافضاً للوضع الإقليمي الحالي في شرق المتوسط، ولا تقبل باتفاقات ترسيم الحدود البحرية، ما يجعل كل تعزيز عسكري إسرائيلي-قبرصي يُنظر إليه كاستفزاز مباشر".
أنقرة تتهم إسرائيل بالتدخل في شمال قبرص الخطاب المعادي لإسرائيل انتقل كذلك إلى الانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص التركية، الدولة غير المعترف بها دولياً إلا من جانب تركيا. فخلال حملة الرئيس المنتهية ولايته أرسين تتار، اتهم منافسه الحكومة الإسرائيلية بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات. وقد دعمت وسائل الإعلام التركية الرسمية، وعلى رأسها وكالة "الأناضول"، هذه الرواية متهمة إسرائيل بـ"محاولة التغلغل في الجزيرة". ورغم خسارة تتار في الانتخابات أمام المرشح العلماني توفان أرهورمان، استمرّ الخطاب التركي الرسمي في تحميل إسرائيل مسؤولية ما وصفه بـ"التغلغل الصهيوني في قبرص"، متهماً تل أبيب بالسعي لاستخدام الجزيرة كمنصة ضغط على أنقرة.
خلفية اقتصادية: تنافس على مشاريع إعمار غزة يزداد الغضب التركي أيضاً على خلفية تصريحات الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس الذي أعلن عن رغبته في إشراك الشركات القبرصية في مشاريع إعادة إعمار غزة، التي تُقدَّر تكلفتها بنحو 70 مليار دولار. وتخشى أنقرة من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف نفوذ الشركات التركية في مشاريع الإعمار، خصوصاً في ظل تحالف قبرص مع إسرائيل واليونان والاتحاد الأوروبي.
تنامي الوجود الإسرائيلي في قبرص يثير قلق أنقرة ترافق هذا التوتر مع زيادة غير مسبوقة في عدد السياح الإسرائيليين إلى قبرص، إذ بلغ عددهم في سبتمبر الماضي أكثر من 80 ألف زائر — بزيادة تقارب 47% مقارنة بعام 2024 — لتصبح إسرائيل في صدارة أسواق السياحة القبرصية إلى جانب بريطانيا وألمانيا. وتستغل بعض وسائل الإعلام التركية هذا المعطى لتغذية روايات مؤامراتية حول "شراء اليهود للأراضي في قبرص"، وهي رواية تُستخدم لتبرير الخطاب القومي التركي المتشدد.
تركيا تبرر تحركاتها الإقليمية بالادعاء بـ"دفاع عن النفس" يقول د. حي إيتان كوهين ينروجيك، الباحث في مركز موشيه دايان، إن تركيا تحاول تقديم سياستها في شرق المتوسط على أنها "دفاعية" في مواجهة ما تصفه بالتمدد الإسرائيلي-اليوناني. "الأتراك يصورون إسرائيل كقوة استعمارية تتوسع بهدوء عبر التحالف مع قبرص واليونان، بينما يسعون هم لإقناع الرأي العام الداخلي بأن سياساتهم الإقليمية تهدف إلى حماية الأمن القومي التركي"، أوضح الباحث.
تصاعد الخطاب العدائي بين تركيا وإسرائيل يكشف عمق التوتر في شرق المتوسط، حيث تتقاطع المصالح الأمنية والطاقة والسياسة. ورغم أن البلدين حافظا في السنوات الأخيرة على قنوات اتصال غير معلنة، إلا أن التصعيد الأخير حول قبرص يعيد العلاقات إلى مربع الشكوك والاتهامات، ويطرح تساؤلات حول مستقبل التعاون الإقليمي في مرحلة ما بعد حرب غزة.