تكشف معطيات المسح الاجتماعي لدائرة الإحصاء المركزية لعام 2024 صورة مقلقة عن الأوضاع الاقتصادية للمواطنين في البلاد، خصوصًا في صفوف المجتمع العربي، حيث أظهرت الأرقام أن 57% من العرب الذين تجاوزوا سن العشرين صرّحوا بأن دخلهم الشهري لم يكفِ لتغطية مصاريف المعيشة الأساسية. هذه النسبة المرتفعة تضع المجتمع العربي في صدارة الفئات الأكثر تضررًا من الأزمة المعيشية، وتفوق بكثير النسبة بين اليهود التي بلغت 36% فقط.
ورغم أن الوضع أكثر خطورة لدى المجتمع العربي، إلا أن الصورة العامة في البلاد تكشف عن أزمة مالية تمس المواطنين. فقد أشار التقرير إلى أن نحو 40% من مجمل السكان البالغين لم يتمكنوا من تغطية مصاريفهم الشهرية في السنة الأخيرة، ما يؤكد أن المشكلة متجذرة وتمس شرائح واسعة من المجتمع. وتشير نتائج المسح أن النساء يعانين أكثر من الرجال، إذ قالت 42% من النساء إن دخلهن لم يغطي النفقات، مقابل 39% بين الرجال.
المعطيات تطرقت أيضًا إلى أنماط الاستدانة وكشفت أن ربع السكان في البلاد اضطروا إلى استدانة أموال لتغطية مصاريف المعيشة. فبحسب المسح، صرّح 26% من مجموع السكان بأنهم لجأوا إلى الاستدانة خلال العام الأخير، مع فروقات واضحة بين الفئات: فقد بلغت النسبة 28% بين اليهود و21% بين العرب. و29% من الرجال مقابل 23% من النساء. ومن حيث الأعمار، كان الوضع أشد وطأة لدى الفئة ما بين 45 و64 عامًا حيث وصلت النسبة إلى 33%، مقابل 24% لدى الفئة 20–44 عامًا، و16% فقط بين من هم في سن 65 فما فوق.
الخيارات الأخرى لمواجهة العجز المالي كانت متنوعة ومؤلمة في كثير من الأحيان. فقد لجأ 17.7% من العرب إلى السلطات الاجتماعية طلبًا للمساعدة، مقارنة بـ 4.7% فقط من اليهود. أما عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية فقد شمل 39.9% من العرب مقابل 16.3% بين اليهود. كذلك حصل 14.1% من العرب على مساعدة مباشرة من أصحاب العمل، مقابل 8.8% من اليهود. وفي حالات أكثر صعوبة، اضطرت بعض العائلات إلى بيع ممتلكات ذات قيمة، حيث صرّح 16% من العرب أنهم اضطروا للتفريط بأصول شخصية لتغطية النفقات.
الأزمة تتجلى بشكل أكبر عند الحديث عن شبكة الأمان المالية. فبينما أظهرت الأرقام أن 60% من العرب لا يستطيعون الصمود أكثر من شهر واحد فقط إذا فقدوا مصدر دخلهم الرئيسي، فإن النسبة بين اليهود لا تتجاوز 27%. وعلى النقيض، فإن 62% من اليهود قادرون على الاستمرار بين شهر وثلاثة أشهر، بينما في المجتمع العربي لا تتعدى النسبة 33%. هذه الفوارق تعكس هشاشة الوضع المالي للعائلات العربية التي تفتقد إلى المدخرات الكافية لمواجهة الطوارئ.
وتشير المعطيات أيضًا إلى أن 80% من السكان اضطروا إلى تقليص نفقاتهم أو تأجيل مصاريف غير أساسية. ومن بين الذين لم ينجحوا في “إكمال الشهر”، اقترب نصفهم من استنفاد حدود بطاقاتهم الائتمانية وانزلق الكثير منهم إلى ما يعرف بـ”السحب بالمينوس”. كما أن 43% من العاملين اضطروا إلى زيادة ساعات عملهم من أجل تحسين دخلهم، في حين قال 41% إنهم لجأوا إلى مساعدة أو استدانة من العائلة والأصدقاء، ووصل الأمر إلى أن 28% استعملوا مدخراتهم الخاصة غير التقاعدية لتغطية نفقاتهم.
هذه النتائج تثير مخاوف جدية بشأن هشاشة الوضع الاقتصادي، خاصة في المجتمع العربي الذي يتعرض لضغوط أكبر من غيره. التوقعات تشير إلى أن استمرار هذا الواقع قد يفاقم نسب الفقر ويزيد الاعتماد على الاستدانة والسحب بالمينوس، في ظل غياب خطط حكومية جدية لمعالجة الأزمة أو دعم الفئات الأكثر تضررًا.