مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، تعرّضت منشأة حيفا لتكرير النفط، إحدى أهمّ أعمدة الطاقة والصناعة في البلاد، لقصف مباشر أسفر عن تدمير محطة الكهرباء التابعة لها ومقتل ثلاثة أشخاص نتيجة حريق ضخم اندلع في الموقع؛ توقفت على إثره جميع منشآت الإنتاج عن العمل، في مشهد غير مسبوق منذ تأسيسها.
وتُعَدّ منشأة حيفا (.Oil Refineries Ltd) التي تديرُها شركة "بازان"، أكبر مجمّع لتكرير النفط والبتروكيماويات في إسرائيل، بسعة إنتاج تقارب 10 ملايين طن من النفط الخام سنويًا. وتعود جذورها إلى فترة الانتداب البريطاني، حين أُنشِئت عام 1938 في إطار مشروع خط أنابيب كركوك-حيفا، الذي ربط الحقول النفطية في شمال العراق بالبحر المتوسّط؛ إلى أن تمّ استكمال بنائها عام 1944. خلال الحرب العالمية الثانية، لعبت المنشأة دورًا أساسيًا في تزويد القوّات البريطانية والأميركية بالوقود.
ومع قيام دولة اسرائيل، انتقلت ملكيّتها إلى الحكومة الإسرائيلية، لتخضع لاحقًا لعمليات خصخصة تدريجيّة بدأت عام 2006. ومنذ ذلك اليوم، تطوّرت إلى مجمّع صناعي ضخم يُنتج عشرات المشتقّات النفطية والمواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة، الصناعة، النقل والجيش، بما يشمل مواد أساسية لصناعة البلاستيك والتغليف والتقنيات الطبية. وتشغّل شركة بازان اليوم نحو 1500 عامل بشكل مباشر، بالإضافة إلى قرابة 2000 آخرين عبر شركات مقاولة، وتُوزَّع أكثر من 70% من منتجاتها محلّيًا.
لكن على الرغم من أهمّيتها الاقتصادية، لطالما وُصفت المنشأة بأنها "قنبلة موقوتة" في قلب منطقة مكتظّة سكنيًا. فعلى مدار سنوات، تصاعدت تحذيرات من مخاطر بيئية وصحيّة محتملة في حال تعرّض الموقع لعطل تقنيّ أو هجوم عسكري. هذه المخاوف دفعت بالحكومة الإسرائيلية عام 2022 إلى إقرار خطة لنقل المنشأة خارج منطقة حيفا بحلول عام 2030، وبدأت استعدادات لإزالة خزّانات النفط الضخمة المجاورة.
ويُذكر أنّ ميناء حيفا المجاور، والذي تعرّض بدوره للقصف الإيراني، مملوك جزئيًا لشركة Adani الهندية، التي استحوذت عام 2022 على 70% من أسهمه ضمن صفقة خصخصة تجاوزت قيمتها مليار دولار. هذه الملكية الأجنبية أضفت بُعدًا دوليًا على الهجوم، وأثارت قلقًا لدى الهند ودول أخرى من أن تتّسع رقعة التصعيد لتطال استثمارات حيوية خارج حدود إسرائيل.
من هنا، فإنّ استهداف مصانع التكرير في حيفا ليس ضربة عسكرية فقط، بل ربّما رسالة استراتيجية إيرانية مفادها أنّ البنى التحتية الأساسية، لا سيّما تلك التي تغذّي الاقتصاد والطاقة في إسرائيل، باتت جزءًا من الهدف. فهل يدفع هذا التطوّر بالحكومة الإسرائيلية إلى تسريع تنفيذ خطة الإغلاق، أم أنّ حسابات الحرب ستعيد ترتيب الأولويات؟