شهد الساحل السوري خلال الـ48 ساعة الماضية تصاعدًا ملحوظًا في حدة الاشتباكات بين القوات الأمنية ومجموعات مسلحة موالية للنظام السابق، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. تزامنت هذه الأحداث مع مواقف رسمية وحقوقية متباينة، مما يعكس تعقيد المشهد السوري الحالي.
خلفية الأحداث
منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024، ظهرت جيوب مقاومة في المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية، خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس. هذه المناطق شهدت تشكيل مجموعات مسلحة موالية للنظام السابق، مثل "لواء درع الساحل" بقيادة مقداد فتيحة، و"المجلس العسكري لتحرير سوريا"، و"المقاومة الشعبية السورية". تهدف هذه المجموعات إلى مقاومة الحكومة الانتقالية واستعادة النفوذ في تلك المناطق.
اندلاع الاشتباكات في اللاذقية وجبلة
في 6 مارس 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة اللاذقية وريفها، خاصة في قريتي بيت عانا ودالية، بين القوات الأمنية ومسلحين موالين للنظام السابق. أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 15 عنصرًا من القوات الأمنية في اللاذقية و16 آخرين في جبلة. ووفقًا لمصادر محلية، بدأت الاشتباكات بعد دعوات من شخصيات علوية في طرطوس للاحتجاج ضد الحكومة الجديدة، مما أدى إلى توتر الأوضاع في المنطقة.
تعزيزات أمنية وفرض حظر تجوال
ردًا على هذه التطورات، أرسلت الحكومة الانتقالية تعزيزات عسكرية من إدلب وحماة وحمص إلى الساحل السوري لتعزيز الأمن. كما فُرض حظر تجوال في مدينة حمص، حيث تم نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على الوضع. وفي بانياس، سيطرت القوات العسكرية والأمنية على المدينة وبدأت بتمشيط المناطق المحيطة بها لضمان استقرار الأوضاع.
تشكيل مجموعات مسلحة جديدة
في 6 فبراير 2025، أعلنت مجموعة مسلحة جديدة تُدعى "لواء درع الساحل" عن نفسها، بقيادة مقداد فتيحة، وهو ضابط سابق في قوات النظام. تهدف هذه المجموعة إلى مواجهة السلطات الحالية وتعمل في مناطق جبلية في محافظة اللاذقية. كما ظهرت مجموعات أخرى مثل "المجلس العسكري لتحرير سوريا" و"المقاومة الشعبية السورية"، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
التجييش الطائفي وتصاعد التوتر
مع تصاعد الاشتباكات، شهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا لمقاطع فيديو تُظهر انتهاكات ارتكبتها بعض الأطراف المتصارعة، بما في ذلك عمليات تصفية واعتقالات تعسفية بحق مدنيين، مما أثار موجة من الغضب والخوف بين السكان. وبالتزامن مع ذلك، برزت خطابات تحريضية ذات طابع طائفي من مختلف الأطراف، حيث حاولت بعض الجهات استغلال الأحداث لتعزيز الانقسامات داخل المجتمع السوري.
مواقف رسمية وحقوقية
في خطاب متلفز يوم 7 مارس 2025، توعّد الرئيس السوري أحمد الشرع بملاحقة فلول النظام السابق، مؤكدًا أن "سوريا الجديدة واحدة موحدة... ولا فرق فيها بين سلطة وشعب". ودعا المسلحين إلى تسليم أسلحتهم وأنفسهم قبل فوات الأوان، مشددًا على أن السلاح يجب أن يكون حصريًا بيد الدولة، ومتوعدًا بمحاسبة كل من يتجاوز ضد المدنيين.
من جانبها، وثقت منظمات حقوقية مقتل نحو 125 مدنيًا خلال الـ48 ساعة الماضية في قرى المختارية والحفة وأرزة وقمحانة والفندارة وبانياس وريف حماة الغربي، حيث تركت الجثث دون نقل إلى المستشفيات. ودعت هذه المنظمات وزارة الداخلية إلى فتح تحقيق في القضية، والاعتذار من ذوي الضحايا، وتقديم تعويضات، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، محذرة من أن عدم حصول ذلك قد يفتح الباب أمام عمليات انتقامية وعنف طائفي.
مظاهرات داعمة للحكومة
وفي المقابل، خرجت مظاهرات حاشدة في عدة مدن، أبرزها دمشق وحمص وطرطوس، دعماً للحكومة الانتقالية والرئيس أحمد الشرع، حيث طالب المتظاهرون بمحاسبة المسلحين المسؤولين عن تصعيد العنف. ورفع المشاركون لافتات تؤكد على "وحدة الدولة ورفض عودة فلول النظام السابق"، فيما تعهدت السلطات بمواصلة العمليات العسكرية لضبط الأمن في الساحل.
ردود الفعل المحلية
أعرب سكان المناطق المتضررة عن قلقهم إزاء تصاعد العنف، مطالبين السلطات بتعزيز الأمن وحمايتهم من الهجمات المسلحة. كما دعت منظمات حقوقية إلى ضبط النفس وتجنب استهداف المدنيين خلال العمليات العسكرية.