المشهد الثقافي في سوريا بعد سقوط الأسد: أسئلة بلا إجابات ورؤية غائبة

يشهد القطاع الثقافي في سوريا مرحلة ارتباك واضحة بعد التغيير السياسي، وسط غياب استراتيجية رسمية تحدد مستقبل الثقافة في البلاد.

راديو الناس|
1 عرض المعرض
سوريا
سوريا
سوريا
(Flash 90)
تعرّضت الآمال التي رافقت سقوط نظام بشار الأسد لانتكاسة سريعة، بعدما تبيّن أن الانفراج الثقافي المأمول لم يتحقق فعليًا. فبدل ظهور رؤية جديدة تؤسس لمشهد ثقافي متنوع، يسود فراغ واضح يُدار عبر قرارات فردية وتوجّهات غير متجانسة داخل مؤسسات الدولة المسؤولة عن الثقافة.
غياب رؤية ثقافية واضحة
خلال الأشهر الأولى بعد التحرير، ظهر ارتباك في طريقة إدارة الملف الثقافي. فبدل صياغة سياسة وطنية شاملة تستند إلى تعددية التيارات السورية، برزت "إشارات متفرقة" لا يجمعها إطار واحد. أولى هذه الإشارات كانت لقاءات الرئيس أحمد الشرع مع مجموعات من الشعراء، معظمهم من كتّاب القصيدة العمودية وغير المعروفين على المستوى الوطني. وبالرغم من كون الذائقة الشعرية مسألة شخصية، إلّا أن انتخاب هذا الشكل من الشعر مادة للخطاب الرسمي بدا وكأنه منحى أحادي لا يعكس التنوع الثقافي السوري الرحب.
تعيينات تثير تساؤلات
أثارت التعيينات الجديدة في وزارة الثقافة والمؤسسات التابعة لها نقاشًا واسعًا. فقد عُيّن محمد ياسين صالح وزيرًا للثقافة، واختير الشاعر أنس الدغيم لإدارة مديريات الثقافة. وفي المقابل، جاءت تعيينات أخرى ذات طابع ثوري متوقع، مثل جهاد عبده في إدارة مؤسسة السينما وغطفان غنوم في المعهد العالي للفنون المسرحية ونوار بلبل في المسارح والموسيقى. غير أنّ هذه التعيينات، رغم تنوع خلفياتها، لم تُقدّم حتى الآن برنامجًا سياسيًا أو ثقافيًا واضحًا: هل تتجه الحكومة نحو سينما مستقلة أم رسمية؟ هل تفتح المسرح للمبادرات الحرة؟ أم تميل للفنون المحافظة؟ أسئلة بقيت بلا إجابات
تدخلات سياسية ودينية في المشهد الثقافي
تواصل تأثير إدارة الشؤون السياسية داخل مؤسسات المجتمع المدني، مثل تعيين مازن الناطور نقيبًا للفنانين وأحمد جاسم الحسين رئيسًا لاتحاد الكتاب. وفي وزارة التربية، أثار قرار إزالة أسماء عدد من المثقفين عن مدارس تحمل أسماءهم منذ عقود ردود فعل واسعة، واعتُبر "تطهيرًا ثقافيًا" غير مدروس قبل أن يُعاد النظر فيه تحت ضغط الاعتراضات.
ملف الآثار… أولوية مؤجلة
رغم حجم الدمار الذي لحق بالمتاحف والمواقع الأثرية، لم تُعلن السلطة حتى الآن عن خطة وطنية واضحة للترميم واستعادة القطع المسروقة. ووقعت حادثة سرقة داخل المتحف الوطني في دمشق من دون إصدار رواية رسمية تشرح تفاصيل الاختراق الأمني في أحد أهم مواقع حفظ الهوية السورية.
الأنشطة الفنية… احتفالات بلا سياسة
أقامت وزارة الثقافة حفلات موسيقية محدودة في دار الأوبرا بعد التحرير، لكنها بقيت ذات طابع مناسباتي، لا يعكس رؤية فنية أو استراتيجية واضحة. كما أُثير الجدل بعد إلغاء حفل كان مقرراً للموسيقار مالك جندلي في ساحة الساعة في حمص، قبل أن تُعلن جهات دينية أن الإلغاء جاء احترامًا لـ"قدسية المكان"، ما يبرز التداخل الحاد بين السلطات الثقافية والدينية والسياسية.
ثقافة بلا ثقة
السؤال المطروح اليوم هو ما إذا كانت ندرة النشاط الثقافي ناتجة عن صعوبات مالية، أم عن أزمة ثقة بين السلطة الجديدة والمثقفين الذين لا ينتمون إلى دائرتها الضيقة. فاعتماد التعيينات على المقرّبين، بغضّ النظر عن الخبرة، يعيد إنتاج بيئة الشك ويحدّ من قدرة الثقافة السورية على الانطلاق نحو مرحلة جديدة.