قدّمت المدعية العسكرية العامة للجيش الإسرائيلي اللواء يفعات تومر–يروشالمي استقالتها رسميًا إلى رئيس هيئة الأركان أيال زمير، وذلك على خلفية التحقيقات الجارية بشأن تسريب فيديوهات توثق اعتداءات وتعذيب بحق أسرى فلسطينيين في معتقل “سدي تيمان”.
الاستقالة تأتي بعد أسابيع من الجدل المتصاعد في الأوساط العسكرية والسياسية الإسرائيلية، إثر الاشتباه بتورط مقربين من مكتب المدعية في تسريب المواد الحساسة إلى وسائل الإعلام.
تفاصيل القرار وسياقه
بحسب مصادر عسكرية، جاءت استقالة تومر–يروشالمي قبل يوم واحد فقط من جلسة تحقيق جديدة كان من المقرر أن تمثل فيها للإدلاء بإفادتها أمام المحققين، وذلك ضمن تحقيقات تُجرى تحت إشراف الشرطة الإسرائيلية ووحدة التحقيقات المركزية، وبمرافقة النيابة العامة للدولة.
وتشير التقديرات إلى أن القرار جاء بعد ضغوط سياسية وإدارية مباشرة من وزير الأمن يسرائيل كاتس، الذي أعلن مؤخرًا أن تومر–يروشالمي "لن تعود إلى منصبها" بسبب "خطورة الشبهات وحساسية موقعها كمسؤولة عن تطبيق القانون في الجيش الإسرائيلي".
القضية التي هزّت المؤسسة العسكرية
القضية التي باتت تُعرف إعلاميًا باسم "تسريبات سدي تيمان" تفجّرت عقب نشر مقطع مصوّر يُظهر جنودًا إسرائيليين يعتدون على أسرى فلسطينيين داخل معتقل في صحراء النقب. وأثار المقطع غضبًا واسعًا داخل الأوساط الحقوقية، فيما رأت مؤسسات إسرائيلية أن التسريب "أضر بصورة الجيش" خلال فترة حساسة.
التحقيقات الأولية أشارت إلى أن عشرات الضباط والموظفين كانوا على علم بوجود التسجيلات، غير أن الاشتباه تركز في مكتب المدعية العسكرية العامة بعد أن أظهرت الفحوصات الأمنية فشل أحد العاملين في اختبار بوليغراف، ما عزز الشبهات بأن التسريب خرج من داخل النيابة العسكرية.
استقالة بطعم الفضيحة المؤسسية
استقالة تومر–يروشالمي، التي تولت منصبها في عام 2021، تمثل سابقة نادرة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ تُعد أول مدعية عسكرية عامة تُجبر على ترك منصبها في ظل تحقيق جنائي نشط.
ويرى مراقبون أن الخطوة تعكس تصدّع الثقة داخل منظومة القضاء العسكري، خصوصًا في ظل توتر العلاقات بين وزارة الأمن وهيئة الأركان حول ملفات التعيينات والرقابة القانونية على العمليات الميدانية.
من يخلفها؟
حتى الآن، لم يُعيّن بديل رسمي للمدعية المستقيلة، لكن الأسماء المطروحة تشمل:
العقيد أوفيرا ألكبتس-روتششتاين – السجينة العسكرية السابقة والمقرّبة من دوائر القيادة القانونية في الجيش.
العميد (احتياط) دورون بن-باراك والعميد أفي حلبي – وهما من المسؤولين السابقين في النيابة العسكرية.
ويُتوقع أن يعلن وزير الدفاع في الأيام المقبلة عن تشكيل لجنة لتسمية المدعي العسكري الجديد بالتنسيق مع رئيس الأركان، وسط محاولات لاحتواء تداعيات القضية على صورة المؤسسة العسكرية.
بهذه الاستقالة، تُطوى صفحة مثيرة للجدل في تاريخ القضاء العسكري الإسرائيلي، بينما تتواصل التحقيقات لتحديد المسؤولين عن التسريب الذي كشف ممارسات وُصفت بأنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في معتقلات الجيش.
ويرى مراقبون أن تداعيات القضية قد تمتد سياسيًا وعسكريًا، وتفرض مراجعة أوسع للشفافية والمساءلة في صفوف الجيش الإسرائيلي خلال فترة تشهد تصاعد الانتقادات الدولية لسلوكه في الأراضي الفلسطينية.

