هجمات جسدية وتحريض إعلامي | سائقو الحافلات العرب يدفعون الثمن

في ظل تحريض إعلامي ممنهج وتقاعس شرطي ملحوظ، تكشف مديرة مركز مناهضة العنصرية عن تحول الاعتداءات على السائقين العرب في القدس إلى ظاهرة خطيرة تهدد حياتهم اليومية وتواجه بصمت مؤسساتي.

سماح درويش: ظاهرة الاعتداء على السائقين العرب تتفاقم والقانون لا يُطبق بجدية على القاصرين
عفاف شيني
08:31
يواجه سائقو الحافلات العرب، وتحديداً في منطقة القدس، تصعيداً خطيراً في جرائم العنف الموجهة ضدهم، في ظاهرة لم تعد تقتصر على حوادث فردية، بل تحولت إلى نهج منظم تغذيه منصات إعلامية إسرائيلية وتتجاهله أجهزة إنفاذ القانون. وفي حديث لراديو الناس، كشفت المحامية سماح درويش، مديرة مركز مناهضة العنصرية، عن تفاصيل مقلقة تتعلق بوتيرة هذه الاعتداءات، مشيرة إلى أن ما يطفو على السطح الإعلامي لا يشكل سوى نسبة ضئيلة جداً من حجم الكارثة الحقيقي، في ظل حالة من انعدام الثقة تدفع مئات السائقين للصمت وعدم تقديم شكاوى رسمية. تأتي هذه المعطيات في وقت يشهد فيه الفضاء الإعلامي الإسرائيلي انفلاتاً غير مسبوق في خطاب الكراهية، حيث تحولت بعض المنصات الإعلامية إلى منصات لمحاكمة السائقين العرب وتجريمهم جماعياً، مما يوفر غطاءً "شرعياً" للمعتدين في الشارع، ويخلق بيئة عمل عدائية تهدد حياة السائقين وسلامة الركاب على حد سواء.
ظاهرة متفشية وتقاعس شرطي في إنفاذ القانون أكدت المحامية سماح درويش أن الاعتداءات على السائقين العرب ليست وليدة اللحظة، بل هي ظاهرة ممتدة منذ سنوات، لكنها شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الحدة والتكرار. وأوضحت أن السمة الغالبة لهذه الجرائم هي تنفيذها من قبل مجموعات من الفتية والمراهقين القاصرين، وهو ما يُعقّد الإجراءات القانونية ويُستخدم كذريعة لتخفيف العقوبات، في ظل غياب سياسة ردع حقيقية من قبل الشرطة والمؤسسة القضائية. وفي سياق متصل بتعامل الشرطة، أشارت درويش إلى وجود تمييز صارخ في تخصيص الموارد للتحقيق في هذه الملفات. ورغم نجاح بعض السائقين في توفير توثيقات مرئية واضحة للاعتداءات، وتمكنهم من تشخيص هوية المعتدين بدقة، إلا أن الشرطة نادراً ما تقوم بتنفيذ اعتقالات أو تقديم لوائح اتهام جدية. هذا التراخي الشرطي يبعث برسالة ضمنية للمعتدين بأنهم يتمتعون بـ"حصانة" غير معلنة، مما يشجعهم على تكرار جرائمهم دون خوف من المحاسبة.
شاهدوا: تحريض علني في القناة 14 ضد السائقين العرب
تحريض إعلامي علني يشرعن العنف
لا يمكن فصل العنف الجسدي في الشوارع عن العنف اللفظي في استوديوهات التلفزة، حيث شهدت القناة 14 الإسرائيلية مؤخراً موجة تحريض دموية ضد السائقين العرب. فقد استضافت القناة متحدثاً كال لهم اتهامات خطيرة، مدعياً أن السائقين العرب يمارسون "إرهاباً يومياً" ضد الركاب اليهود، عبر القيادة المتهورة بنية الإضرار، والفرملة المفاجئة لإسقاط الركاب والضحك عليهم.
وقد مرّت هذه التصريحات العنصرية دون أي اعتذارمن قبل مقدمة البرنامج، التي اكتفت بمقاطعة الضيف في نهاية حديثه، وهو ما وصفه ناشطون ومراقبون بأنه "تطبيع للتحريض".عوضًا عن كونها سرديات إعلامية مضللة تتجاهل حقيقة أن السائقين أنفسهم هم الضحية الأولى لغياب الأمن.
فقدان الثقة ومسارات الدعم القانوني
 مديرة مركز مناهضة العنصرية، المحامية سماح درويش مديرة مركز مناهضة العنصرية، المحامية سماح درويشتُستخدم هذه الصورة بموجب البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007)
أدى تضافر العنف الميداني مع الخذلان المؤسساتي إلى حالة من اليأس لدى قطاع واسع من السائقين، حيث يمتنع الكثيرون عن تقديم شكاوى للشرطة قناعةً منهم بجدوى ذلك. وأوضحت درويش أن مركز مناهضة العنصرية، بالتعاون مع العيادة القانونية في الجامعة العبرية ومنظمات شريكة، يرصد أعداداً هائلة من الانتهاكات التي تبقى طي الكتمان. وشددت على أهمية كسر حاجز الصمت وتوثيق الحالات، ليس فقط لتحصيل الحقوق الفردية، بل لإثبات حجم الظاهرة والضغط لتغيير السياسات. ويعمل المركز على تقديم سلة متكاملة من الدعم تشمل المرافقة القانونية الجنائية المجانية لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، بالإضافة إلى الدعم النفسي المتخصص لمساعدة السائقين على تجاوز الصدمات النفسية الناتجة عن الاعتداءات، والتي غالباً ما تعيقهم عن العودة لممارسة عملهم وكسب رزقهم.
حلول تشريعية في مواجهة عنصرية متجذرة على الصعيد الرسمي، أشارت درويش إلى وجود حراك في أروقة الكنيست يهدف لتعديل التشريعات بحيث يتم التعامل مع السائق كموظف جمهور، مما يرفع سقف العقوبات على المعتدين عليه، بالإضافة إلى مقترحات لتأمين الحافلات بحواجز فاصلة ووحدات أمنية خاصة. ومع ذلك، قللت درويش من قدرة هذه الحلول "التقنية" وحدها على إنهاء المشكلة، مؤكدة أن جوهر الأزمة يكمن في التربية العنصرية ورفض الآخر المتغلغل في شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي. واختتمت درويش حديثها بالتأكيد على أن المعركة طويلة وتتطلب نفساً طويلاً، حيث يسعى المركز بالتوازي مع المسار القانوني إلى تعزيز الوعي والضغط الإعلامي والسياسي، لفرض واقع يوفر الحد الأدنى من الحماية والكرامة للسائقين العرب الذين يقومون بخدمة حيوية في ظل ظروف مستحيلة.
1 عرض المعرض
باص دان في تل ابيب - صورة عامة
باص دان في تل ابيب - صورة عامة
باص دان في تل ابيب - صورة عامة
(Flash90)