ذكاء صناعي في معركة للكشف المبكر عن مختلف أنواع السرطان

تقنية ذكاء اصطناعي ثورية تُحدث نقلة في تشخيص السرطان خلال ساعات فقط والتجارب أظهرت نتائج مذهلة

1 عرض المعرض
سرطان الكبد في جسم الانسان
سرطان الكبد في جسم الانسان
سرطان الكبد في جسم الانسان
(انترنت)
هل تخيّلت يوماً أن يتمكن الأطباء من تشخيص أخطر أنواع السرطان في غضون ساعات قليلة، ومراقبة الورم الخبيث وكأنه يتحرك أمام أعينهم داخل أنسجة الجسم؟ هذا المشهد لم يعد ضرباً من الخيال العلمي، بل أصبح واقعاً ملموساً بفضل تقنية متقدمة طوّرها علماء معهد "كارولينسكا" السويدي، أحد أعرق مراكز الأبحاث الطبية في العالم.
"مسار الأنسجة الذكي": رؤية ثلاثية الأبعاد للورم
التقنية الجديدة التي تحمل اسم "مسار الأنسجة الذكي" (SpatialPath AI)، تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للأورام، مما يمكّن الأطباء من تحليل طبيعة الخلايا السرطانية وتفاعلاتها مع الأنسجة المحيطة خلال أقل من 8 ساعات، بعدما كانت هذه العملية تستغرق أسابيع من الفحوصات المخبرية والتنسيق بين فرق طبية متعددة التخصصات.
هذه التقنية لا تلغي دور الأطباء، بل تُعزّز دقتهم وسرعتهم بشكل غير مسبوق، ما يُعدّ تحولاً جذرياً في أساليب التشخيص والعلاج.
كيف تعمل التقنية؟
يبدأ النظام بتحليل عيّنة من الأنسجة المصابة تُقسّم إلى شرائح ميكروسكوبية فائقة الدقة، ثم يجري مسح مكاني دقيق لتحديد موقع كل خلية في العيّنة، مع تحليل آلاف الجينات داخلها، ومن ثم معالجة ذكية للبيانات عبر الذكاء الاصطناعي، الذي يُنتج خريطة ثلاثية الأبعاد توضح مكان الخلايا السرطانية وتفاعلها مع الأنسجة السليمة المحيطة.
النتيجة: صورة حية وتفاعلية لما يحدث داخل الورم، تكشف صراعات الخلايا وتداخلاتها بدقة لم تكن ممكنة من قبل.
إنجاز علمي موثق بنتائج دقيقة
وفق دراسة نُشرت في مجلة Nature Medicine بتاريخ 15 مايو 2024، سجل النظام نتائج مذهلة، بحيث تم تشخيص أدق بنسبة 40٪ مقارنة بالأساليب التقليدية، تقليص مدة التشخيص من ثلاثة أسابيع إلى 8 ساعات فقط، وتصميم خطط علاجية مخصصة لكل مريض وفق الخصائص الجينية والبيولوجية لورمه.
تقول البروفيسورة آنا جونسون، المشرفة على البحث: "يشبه الأمر الانتقال من خريطة ورقية إلى نظام GPS لتتبع الخلايا السرطانية. للمرة الأولى، نستطيع مشاهدة كيف تختبئ الخلايا الخبيثة وتتحرك وتتفاعل داخل الجسم، وهذا يغيّر قواعد اللعبة تماماً."
أول المستفيدين: سرطان الثدي والبروستاتا والدماغ
في مرحلتها الأولى، تركز التقنية على ثلاثة من أكثر السرطانات شيوعاً وتعقيداً: سرطان الثدي، البروستاتا، والدماغ. وقد بدأت بالفعل تجارب سريرية موسعة في عدة مراكز أوروبية وسط نتائج أولية واعدة، مع توقعات بإدخال التقنية إلى العيادات المتخصصة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
فرصة ذهبية للعالم العربي
في ظل تزايد معدلات الإصابة بالسرطان في الشرق الأوسط، تمثل هذه التقنية فرصة استراتيجية لتحسين جودة التشخيص والعلاج، وذلك عبر
تخفيض التكاليف من خلال تجنب العلاجات غير الضرورية، وتعزيز ثقة المرضى بفضل سرعة ودقة التشخيص، وتمكين الأطباء من تصميم علاج شخصي لكل مريض، وجذب استثمارات جديدة في الذكاء الاصطناعي الطبي.
لكن الأمر الأكثر أهمية هو اللحاق بركب الثورة التقنية في مجال الصحة، إذ أن التأخّر في تبني هذه الحلول قد يعني ضياع فرص إنقاذ آلاف الأرواح.
إحصاءات تدق ناقوس الخطر
بحسب دراسة نشرتها مجلة JCO Global Oncology في مايو 2025، تم تسجيل أكثر من 50 ألف حالة جديدة من سرطان البروستاتا في الشرق الأوسط عام 2022، وهو ما يعادل 3.5٪ من مجمل الإصابات العالمية. وتشير التوقعات إلى تضاعف هذه الأرقام بحلول 2050، ما يُبرز الحاجة الماسة لبنية تحتية تشخيصية وعلاجية أكثر تطوراً.
"مسار الأنسجة الذكي" ليس مجرد أداة تشخيص، بل هو بداية لحقبة جديدة في فهم طبيعة السرطان والتعامل معه بدقة وسرعة لم تعرفها الطبابة التقليدية. والتحدي الآن أمام أنظمة الصحة في منطقتنا هو الاستعداد والتبنّي، قبل أن تفوت اللحظة.