شهدت الأيام الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في حركة الاتصالات السياسية والدبلوماسية داخلياً وخارجياً حول ملف حصرية السلاح في لبنان، في وقت يترقب فيه الجميع عودة الوفد الأميركي إلى بيروت. تشير المعلومات إلى أن الزيارة قد تحصل يوم الاثنين، على أن تبدأ اللقاءات الرسمية يوم الثلاثاء، بينما يركز الوفد الأميركي على الملف السوري، ويتولى ميشال عيسى متابعة الشؤون اللبنانية.
وأفادت صحيفة "النهار" بأن الرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية تضمن موافقة مبدئية على بعض البنود، مثل وقف تدريجي للغارات والاغتيالات، والانسحاب التدريجي من بعض النقاط المحتلة، وإنهاء ملف الأسرى. لكن إسرائيل طلبت أن يكون الشريط الحدودي من القرى المدمرة غير آهل بالسكان، على أن تكون المنطقة اقتصادية، بمعنى إنشاء معامل ومصانع تابعة للدولة اللبنانية، لتكون فاصلة بين القرى اللبنانية المأهولة والجانب الإسرائيلي.
وبالنسبة لجهات لبنانية، فإن قبول إسرائيل بنودا جزئية من الورقة الأمريكية هو رفض ضمني لها، ما قد يعزز من حدة الانقسامات في لبنان حول مسألة الجنوب اللبناني.
في المقابل، نقلت صحيفة "البناء" عن مصادر مطلعة أن حزب الله لا يزال متمسكًا بموقفه الرافض لأي مساس بسلاحه، معتبرًا أن الورقة الأميركية تهدف إلى فرض سيطرة إسرائيلية على لبنان.
"على حزب الله إدراك أن ظروف لبنان تغيرت"
وبدوره، أكد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على ضرورة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، مشدداً على أن ظروف لبنان تغيّرت ويجب أن يدرك حزب الله ذلك. وأشار باسيل خلال العشاء السنوي لهيئة قضاء الزهراني إلى أن الدفاع عن لبنان مسؤولية الجيش، بينما الدفاع عن فلسطين مسؤولية الفلسطينيين، مؤكداً رفض السلاح الفلسطيني داخل المخيمات اللبنانية.
وأضاف أن بعض السياسات السابقة ربطت لبنان بمصالح خارجية أدت إلى نتائج سلبية، محذراً من تنفيذ قرارات نزع السلاح بطريقة قد تؤدي إلى حرب أو فقدان هيبة الدولة، ودعا الحكومة إلى التركيز على إعادة الإعمار وضمان نجاح الجيش في مهمته. كما شدد على أهمية الوجود المسيحي في الجنوب ودوره في حماية لبنان ككل، مؤكداً أن كل ضحية في الجنوب هي ضحية للدفاع عن الوطن بأسره.
ضغوط أميركية وإسرائيلية
وبدورها، أشارت صحيفة "الديار" إلى أن الولايات المتحدة تكثف ضغوطها على لبنان لإصدار قرار حكومي بنزع سلاح حزب الله، معتبرة أن ذلك خطوة أساسية لاستئناف المحادثات حول وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان.
من جانبها، نقلت صحيفة "النهار" عن مصادر دبلوماسية أن إسرائيل ترى في نزع سلاح حزب الله ضرورة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأنها مستعدة للتعاون مع لبنان في هذا الملف بشرط تنفيذ المطالب الأميركية.
في الداخل اللبناني، تواصلت المشاورات بين القوى السياسية لتحديد الموقف الرسمي من الورقة الأميركية. لكن هناك انقسامات واضحة، حيث تدعو بعض الأطراف إلى التعاون مع المجتمع الدولي، بينما ترفض أطراف أخرى أي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية.
حزب الله: سقفنا خطاب نصر الله
وفي المقابل، أكد الحزب التزامه بسقف الخطاب الأخير للأمين العام حسن نصرالله، واعتمد سياسة «خطوة مقابل خطوة» مع التركيز على دور الجيش اللبناني وحياديته. كما أبلغ الحزب الجهات الداخلية والإقليمية والدولية أنه ملتزم بالثوابت الوطنية، ودعم وقف الاعتداءات والاغتيالات، وإطلاق الأسرى، والشروع في إعادة الإعمار، مع التأكيد على استمرارية الدفاع عن لبنان عند أي اعتداء.
تسليم محدود للسلاح الفلسطيني
هذا وشهدت المرحلة الأولى من تسليم السلاح الفلسطيني في مخيم برج البراجنة عمليات محدودة، شملت أسلحة خفيفة وصواريخ قديمة. ومن المتوقع أن تشمل المرحلة الثانية مخيمات البص في صور، وبيروت، والبقاع، وصولاً إلى مخيم عين الحلوة، مع تحفظ بعض الفصائل على التفاصيل وعدم اطلاعها المسبق على الخطة.
الملف السوري وجهود السعودية
في سياق متصل، تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً بارزة لتبريد الملفات الساخنة بين لبنان وسوريا، تشمل ترسيم الحدود، المعتقلين، النازحين، والمزارع في شبعا. وقد زار بيروت منذ يومين مسؤول سوري ملف المساجين، والتقى مع الجهات اللبنانية لوضع جدول أعمال للاجتماع الموسع بين الأمنيين اللبنانيين والسوريين الأسبوع المقبل.
كما كشفت المعلومات عن رفض أميركي وأوروبي للإفراج عن بعض القادة السوريين واللبنانيين المطلوبين، مع التركيز على الإفراج عن السجناء المحكومين فقط، فيما تولت الولايات المتحدة متابعة موضوع معامل الكبتاغون.
تأتي هذه التطورات في سياق الجهود الأميركية الرامية إلى نزع سلاح حزب الله، حيث سلم المبعوث الأميركي توم باراك لبنان ورقة تتضمن جدولًا زمنيًا لسحب السلاح، بدءًا من الأسلحة الثقيلة وصولًا إلى الخفيفة، مع ضرورة تسليم جميع أنواع الأسلحة إلى الجيش اللبناني. كما طالبت الورقة بتقديم دعم دولي إضافي للأجهزة الأمنية اللبنانية، وبشكل خاص للجيش.
في المقابل، رفضت إسرائيل بعض البنود في الورقة، مما أدى إلى تعقيد المفاوضات. هذا التباين في المواقف يزيد من تعقيد الوضع الداخلي اللبناني، ويضع تحديات أمام الحكومة في اتخاذ قرار موحد بشأن تنفيذ خطة نزع السلاح.
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية يزور بيروت
في السياق، زار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، بيروت لدعم توجهات الدولة اللبنانية في بسط السيادة وحصر السلاح بيد الدولة. وقال زكي في لقاء مع "القاهرة الإخبارية" إن قرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش إعداد خطة لحصر السلاح يتوافق مع قرارات القمم العربية، داعياً الدول العربية والدولية إلى تقديم دعم فعلي للجيش اللبناني.
وأضاف أن الجامعة العربية تعمل على تخفيف التوتر السياسي والحد من الخطاب الطائفي، مؤكداً أن الجيش ملتزم بتنفيذ التوجهات السياسية ويدعم بناء الدولة، مشيداً بلقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، ووصفها بأنها أظهرت إجماعاً على ضرورة ضبط التصعيد السياسي والحفاظ على استقرار لبنان.