أعلن قصر باكنغهام أنّ الملك تشارلز الثالث باشر رسميًا إجراءات تجريد شقيقه الأمير أندرو من جميع ألقابه ومناصبه وامتيازاته الملكيّة، في خطوة غير مسبوقة منذ أزمة التنازل عن العرش عام 1936. وبموجب القرار، سيُعرف الأمير من الآن فصاعدًا باسم "أندرو ماونتباتن وندسور"، كما سيتعيّن عليه مغادرة قصره الفخم "رويال لودج" في مدينة وندسور البريطانية، حيث أقام لأكثر من عشرين عامًا.
وجاء القرار في أعقاب تصاعد الغضب الشعبي والضغط السياسي إثر تجدّد الحديث عن علاقة أندرو برجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين، الذي توفّي في السجن عام 2019 بعد إدانته بالاتجار الجنسي بالقاصرات. وزاد الجدل حدّةً بعد صدور كتاب "Entitled: The Rise and Fall of the House of York" للكاتب البريطاني أندرو لاوني في أغسطس الماضي، والذي وثّق بالتفصيل علاقات أندرو المثيرة للجدل مع إبستين وشريكته غيسلين ماكسويل.
كما تزامن القرار مع نشر مذكّرات فيرجينيا جوفري، إحدى ضحايا إبستين، التي أكّدت في كتابها "Nobody’s Girl" أنها أُجبرت على إقامة علاقات جنسية مع أندرو عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها. وقد توفّيت جوفري هذا العام منتحرة بعد إنهاء كتابة مذكّراتها، التي نُشرت بعد وفاتها، فيما كشفت تسريبات جديدة عن مراسلات إلكترونية بين أندرو وإبستين، كتب فيها الأوّل بعد انتشار الصورة الشهيرة التي تجمعه بجوفري: "نحن في هذا معًا".
أعمق الأزمات الأخلاقية والإعلامية في تاريخ المملكة
وجاء في بيان القصر أنّ هذه الإجراءات "تُعتبر ضرورية رغم استمرار نفيه للاتهامات الموجّهة إليه"، مؤكّدًا أنّ الملك والملكة "يعبّران عن تعاطفهما العميق وتضامنهما مع ضحايا جميع أشكال الإساءة". وأضاف البيان أنّ الخطوة تهدف إلى حماية سمعة المؤسّسة الملكية، في وقت تواجه فيه العائلة واحدة من أعمق الأزمات الأخلاقية والإعلامية في تاريخها الحديث.
وقالت عائلة جوفري في بيان عقب قرار القصر: "اليوم، فتاة أميركية عادية من عائلة عادية أسقطت أميرًا بريطانيًا بحقيقتها وشجاعتها غير العادية. لم تتوقّف فيرجينيا يومًا عن المطالبة بالمحاسبة عمّا حدث لها ولعددٍ لا يُحصى من الضحايا الآخرين. اليوم، أعلنت انتصارَها".
تداعيات سياسية وقانونية
بالتوازي مع القرار، أعلنت مجموعة Republic المناهضة للنظام الملكي أنها باشرت إجراءات قانونية خاصّة لمحاسبة أندرو قضائيًّا، متّهمةً إياه بالاعتداء الجنسي واستغلال المنصب العام. وقال مديرها التنفيذي غراهام سميث: "من المعيب أن نضطرّ إلى رفع دعوى خاصّة لأنّ السلطات فشلت في التحقيق الجادّ. لا أحد فوق القانون".
وقال إد ديفي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، إنّ الخطوة "ضرورية لإعادة بناء الثقة في المؤسّسات البريطانية"، بينما وصفت وزيرة الثقافة كيمي بادينوخ القرار بأنّه "مؤلم لكنّه ضروري"، مؤكّدة أنّ المجتمع البريطاني لم يعُد يتسامح مع أي شكل من أشكال الإساءة الجنسية.
من "الابن المفضّل" إلى العزلة التامّة
يُذكر، انّ أندرو كان قد بدأ بالتراجع عن واجباته الرسمية منذ عام 2019 عقب المقابلة الشهيرة التي حاول خلالها الدفاع عن صداقته بإبستين، وأثارت تصريحاته حينها موجةً من السخرية بعد أن وصف ابستين بأنه تصرّف "بشكلٍ غير لائق"، قبل أن يصحّح نفسه قائلًا: "أقصد أنه كان مجرمًا جنسيًا مُدانًا".
ومن المتوقّع أن يعيش أندرو في عزلة شبه تامّة داخل عقار ساندرينغهام المملوك شخصيًا للملك، في ما وصفته الكاتبة البريطانية آنا باستيرناك بأنّه "شكل من أشكال النفي الملكي داخل حدود البلاد".
وأخيرًا، يبقى السؤال، هل يكفي فقدان الألقاب لاستعادة ثقة الرأي العام؟ أم انّ المطلوب مساءلة فعليّة بين إرثٍ ملكيّ طويل وواجبٍ أخلاقيّ يفرضه عصر الشفافية والمحاسبة؟


