كشف تقرير صادر عن "مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب التابع لمعهد مئير عاميت" في إسرائيل عن تحول استراتيجي في رؤية حركة حماس حيال "زوال إسرائيل"، حيث يشير التقرير إلى أن الحركة، بقيادة يحيى السنوار، وضعت خططًا تفصيلية مع إيران وحزب الله استعدادًا لهجمات 7 اكتوبر.
تحول في رؤية حماس بعد حرب مايو 2021
أوضح التقرير أن حماس كانت تدرك منذ تأسيسها محدودية قدراتها العسكرية والسياسية، لذلك أبقت فكرة "زوال إسرائيل" ضمن رؤيتها الاستراتيجية بعيدة المدى. ومع ذلك، شهدت هذه الرؤية تحولًا ملحوظًا بعد حرب مايو 2021 ، حيث بدأت قيادة الحركة بالاعتقاد أن القضاء على إسرائيل قد يكون هدفًا قابلاً للتحقيق.
وتدعم هذه الفرضية وثائق تم ضبطها خلال عمليات للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ضمن حرب "السيوف الحديدية"، والتي أظهرت تخطيطًا عمليًا من قبل حماس وحلفائها - إيران وحزب الله - لتنفيذ هذا الهدف. وأشارت الوثائق إلى أن حماس كانت تعتبر إسرائيل أضعف من أي وقت مضى، في حين أن قوى "محور المقاومة" تزداد قوة.
رسائل ووثائق تكشف الخطط والتنسيق
في رسالة بتاريخ 5 يونيو 2021، كتب يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى إلى قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني:
"الأخ القائد المجاهد: من أجل تحقيق هذه الأهداف الكبيرة والتي سنغير بها وجه الكون بإذن الله فنحن في أمس الحاجة لدعم مالي مقداره عشرون مليون شهريًا ولمدة عامين، أي ما يعادل 500 مليون دولار في العامين. ونحن نثق أننا وإياكم من نهاية هذين العامين أو خلالهما إذا قدر الله سنجتث هذا الكيان المشوه، وسنغير وإياكم وجه المنطقة وننهي بفضل الله هذه الحقبة السوداء من تاريخ أمتنا...
9 عرض المعرض
رسالة إلى قائد قوة القدس إسماعيل قاآني
(عن مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب التابع لمعهد مئير عاميت )
وفي رسالة أخرى بنفس التاريخ موجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، جاء فيها:""إن هذا الكيان الموهوم أضعف مما يمكن أن يتخيله الإنسان، وإننا بحول الله وتأييده ثم بدعمكم وإسنادكم، وبدعم وإسناد أمتنا، قادرون على اجتثاثه وإزالته في أقرب وقت بإذن الله، ونحن نثق بإذن الله بأننا على موعد قريب مع هذا الوعد الرباني المحتوم..."
9 عرض المعرض
مقتطف من رسالة السنوار، الضيف، وعيسى إلى قائد إيران، بتاريخ 5 يونيو 2021
(عن مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب التابع لمعهد مئير عاميت )
الوثائق التي تم ضبطها كشفت عن ثلاث سيناريوهات رئيسية خططت لها حماس:
السيناريو الأول (المعركة الاستراتيجية الكبرى):
- "ندخل نحن والحزب (حزب الله) وقوى المقاومة من جميع الجبهات المتاحة بهجوم مفاجئ وشامل بهدف إسقاط دولة الاحتلال وإنهاء وجودها. توقيت الهجوم يجب أن يتزامن مع أحد الأعياد اليهودية، حيث تتزايد اقتحامات المسجد الأقصى، وربما يكون عيد الفصح هو الأنسب".
السيناريو الثاني (المعركة المتوسطة):
- "تقوم حماس بالدور الرئيسي في المواجهة، بينما يشارك حزب الله بشكل جزئي، وتشارك عناصر أخرى من قوى المقاومة من اليمن والعراق وسوريا. الهدف الأساسي هو إضعاف إسرائيل وتمهيد الطريق للمعركة الكبرى مستقبلاً".
السيناريو الثالث (المعركة المحدودة):
- "تنفذ حماس الهجوم الأساسي بمشاركة محدودة من قوات المقاومة في سوريا والأردن، مع احتمالية دعم جزئي من حزب الله عند الحاجة".
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الوثيقة إلى الحاجة الملحة لتشكيل قوة عسكرية من عناصر حماس في لبنان، تتألف من 250 مقاتلًا على الأقل، يمكنهم الاستفادة من البنية التحتية العملياتية التي أنشأها حزب الله (ضمنيًا) لشن هجوم من لبنان على الأراضي الإسرائيلية. وأكدت الوثيقة أن إنشاء هذه القوة ضروري في حال تم اعتماد السيناريو الثالث، وربما أيضًا في حال تم اعتماد السيناريو الثاني، مشددة على أن هذا الموضوع "لا يحتمل التأجيل أو التردد أو التأخير". ولهذا الغرض، طلب السنوار من هنية تنسيق زيارة عاجلة إلى طهران، لأن "التعامل مع هذا الأمر الكبير لا يمكن أن يتم في لبنان فقط نظرًا لأهميته".
9 عرض المعرض
تشكيل قوة حماس في لبنان، من رسالة السنوار إلى هنية، بتاريخ 19 يونيو 2022.
(معهد مئير عميت)
بعد أسبوعين، في الأول من يوليو 2022، قام إسماعيل هنية بإبلاغ يحيى السنوار بمضمون اجتماع سري نظمه الحاج رمضان (سعيد إيزدي، رئيس فرع فلسطين في فيلق القدس) مع حسن نصر الله، حيث عرض ممثلو حماس السيناريوهات المتعلقة بالحملة ضد إسرائيل. وبحسب هنية، عبّر نصر الله عن دعمه للسيناريو الأول - سيناريو المعركة الاستراتيجية الكبرى - وأشار إلى أن هذا السيناريو واقعي ويمكن تحقيقه، وتم الاتفاق على عرض هذا الموضوع أمام المرشد الإيراني علي خامنئي.
بعد حوار معمق وطويل كان فيه الموقف الواضح لسماحة السيد بأنه مع السيناريو الأول ويرى أن المعطيات والظروف تؤكد بأنه سيناريو واقعي قابل للتنفيذ
أولًا: المسار الاستراتيجي للصراع
قال هنية:"لقد عرضنا رؤيتنا في هذا المسار وأوضحنا لهم بأننا درسنا هذا الأمر في دوائرنا الخاصة في غزة والضفة، أما الإخوة في الخارج، فهم في صورة عامة لحالة الصراع مع العدو في هذه المرحلة، لكن لم يصلوا بعد إلى تصور تفصيلي ودقيق للسيناريوهات والرؤية المستقبلية. وقد عرضنا عليهم السيناريو الأول والثاني الذي ورد في رسالتكم وتجنبنا التطرق للسيناريو الثالث. وبعد حوار معمق وطويل كان فيه الموقف الواضح لسماحة السيد بأنه مع السيناريو الأول ويرى أن المعطيات والظروف تؤكد بأنه سيناريو واقعي قابل للتنفيذ، وأما الحاج رمضان فقد دعم الفكرة بشكل عام، لكنه أكد على ضرورة دراسة الإمكانيات ومعرفة العوائق والتحديات قبل السير في الموضوع، وبحثنا توأمتها على النحو التالي:
1- عرض الموقف لسماحة قائد الثورة في إيران وإبلاغه بما اتفقنا عليه، وسيتولى السيد حسن إلى جانب أنني سأتحدث مع المرشد خلال زيارتنا القادمة لإيران.
2- في ضوء ذلك، يتم الطلب من جهات الاختصاص وضع خطة متكاملة تأخذ بالاعتبار عناصر القوة والضعف، والإمكانات، والأدوار، والساحات، والأطراف المشاركة.
اختتم هنية تحديثه للسنوار بالقول إن السيناريو الأول، الذي يتضمن هجوم جميع مكونات "محور المقاومة" (باستثناء إيران) على إسرائيل، هو السيناريو الذي تم الاتفاق عليه من قبل الأطراف الرئيسية، أي إيران وحزب الله.
وقال هنية: "لقد تم أعتماد هذا السيناريو (السيناريو الأول) خلال النقاش الذي أجريناه مع الحلفاء، ونحن الآن بانتظار استكمال دراسته في اللقاءات الأخرى وخاصة مع الإيرانيين، وسنتابع الاستعدادات اللازمة له وفقًا لما ذُكر أعلاه. ونسأل الله تعالى أن يجعل زوال الكيان على أيدي إخواننا وأبناء الأمة الجادين في مشروعهم المنحازين لمشروع مقاومة المشروع الأمريكي-الصهيوني."
دعم حزب الله وتأييد إيران
وفي بروتوكول صدر عن مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حماس بتاريخ 6 يوليو 2023، أشار إلى أن وفد الحركة الذي زار إيران بقيادة إسماعيل هنية وصالح العاروري، أجرى لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين. وأكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اللقاء أن "المقاومة أصبحت أقوى من أي وقت مضى، في حين أن إسرائيل باتت أضعف". أما قائد الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي، فقال: "نرى مؤشرات وإمكانية لإزالة إسرائيل من الخريطة".
تحذيرات من تأثير المعركة الأخيرة
خلص تقرير "مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب التابع لمعهد مئير عاميت" إلى أن الخسائر التي تكبدتها حماس وبقية عناصر "محور المقاومة" قد تدفع الحركة إلى إعادة فكرة "زوال إسرائيل" إلى حيز الرؤية بعيدة المدى. لكنه أشار إلى أن أي تعافٍ مستقبلي للحركة بدعم من إيران قد يعيد إحياء هذه الرؤية، ما يستدعي متابعة دقيقة واستراتيجية مواجهة شاملة.
First published: 08:24, 14.03.25