بمثل هذا اليوم، اتجهت الأنظار إلى ما يرد من أخبار على الشاشات وفي المجموعات الإخبارية، وكأنّ ما يرد من تفاصيل أقرب إلى الخيال قبل أن يُرفع الستار رويدا رويدا كاشفا عن واحد من أبرز الأحداث التي شهدها القرن الواحد والعشرين: هجمات السابع من أكتوبر.
بمثل هذا اليوم وقبل عامين في صباح السابع من أكتوبر 2023، استيقظت المنطقة برمّتها على واحد من أكثر الأيام إرباكا ودموية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لم يكن أحد يتوقع أن يكون هذا اليوم بداية حرب طويلة، إلا أن تداعياتها لا زالت حتى يومنا تهز المنطقة والعالم بعد عامين كاملين، مهدّدة المنطقة بأسرها بحرب مستدامة رغم مساعي التهدئة المبذولة عربيا ودوليا.
الشرارة الأولى
مع بزوغ الفجر، شنّت حماس هجوما غير مسبوق على بلدات إسرائيلية محاذية لقطاع غزة. مئات المسلحين تسللوا عبر السياج الفاصل، منهم على دراجات نارية، وآخرون بالمركبات أو عبر فتحات أُعدّت مسبقاً في الجدار. وفي اللحظة نفسها، انطلقت صواريخ بكثافة عالية نحو العمق الإسرائيلي، لتعلن بداية هجوم واسع النطاق أسمته حماس بـ"طوفان الأقصى".
الهجوم فاجأ الجميع، كما فاجأ الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية برمتها، حيث وقفت أجهزة الدولة عاجزة عن استيعاب حجم الاختراق وحجم الكارثة في ساعاتها الأولى. بلدات حدودية كاملة مثل "سديروت" و"كفر عزة" و"بئيري" شهدت معارك دامية بين مسلحي حماس والجهاد الإسلامي والجيش الإسرائيلي، والحصيلة وصلت إلى قتلى بالمئات، خلال الساعات الأولى.
مشاهد الأسر والصدمة
12 عرض المعرض
مسلح من حماس يدخل كيبوتس صباح 7 أكتوبر
(تُستخدم هذه الصورة بموجب البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007))
لاحقا، بدأت الحقائق ترد تباعا بالصوت والصورة، فمشاهد أسر عشرات الجنود والمدنيين الإسرائيليين واقتيادهم إلى غزة، كانت الأحداث البارزة التي هزّت العالم برمّته، كاشفة عن الحجم الحقيقي للهجمات. وهنا الشارع الإسرائيلي لم يتأخر كثيرا، المحلات أقفلت أبوابها والصمت خيّم في الشوارع والموظفون يلزمون بيوتهم، والكلّ يبحث عن أبنائه ومعارفه.
هذه المشاهد تحولت سريعاً إلى رمز للحدث التاريخي البارز، وشكلت الإطار الذي أدخل المجتمع الإسرائيلي في صدمة غير مسبوقة بكافة مستوياته السياسية والعسكرية، على الرغم من التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي.
الرد الإسرائيلي: بداية الحرب
في الساعات التالية، بدأت الأجهزة الأمنية تستوعب هول الضربة، إسرائيل أعلنت حالة الطوارئ القصوى، وأطلقت عملية عسكرية واسعة سمتها "السيوف الحديدية". الطائرات الحربية بدأت بقصف مكثف على محيط غزة، فيما احتشدت قوات كبيرة على حدود القطاع استعداداً لعملية برية.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خرج ببيان مقتضب قال فيه: "نحن في حرب، ولن نتوقف قبل أن نغير ملامح الواقع." ومنذ تلك اللحظة، تحول السابع من أكتوبر إلى نقطة مفصلية خطيرة واستثنائية، أشعلت نيران حرب ضروس لم تهدأ بعد، وامتد لهيبها ليطال لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران.
الأيام الأولى: حمام دم ودخان ودمار لا يوصف
في الأيام الثلاثة الأولى، بلغ عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل الفلسطينية آلاف الصواريخ، بعضها وصل إلى القدس وتل أبيب. في المقابل، تعرض قطاع غزة لغارات كثيفة تسببت في دمار هائل وسقوط أعداد كبيرة من القتلى.
"جبهة الإسناد": لهيب الحرب يتّسع للمنطقة
الثامن من أكتوبر: صافرات الإنذار تدوّي من الشمال للتحذير من مسيّرة اخترقت الأجواء من لبنان، من الجليل الغربي وحتى جنوبي مدينة حيفا. لاحقا بدأت أحداث درامية أخرى: إخلاء بلدات تعاونية على الحدود وصولا إلى كريات شمونة حيث تحولّت إلى مدينة أشباح مقابل بدء إطلاق الصواريخ من حزب الله باتجاه الشمال.
لاحقا، بدأت المسيّرات المتفجرة والصواريخ تصل تباعا من العراق، واليمن ولبنان، لتتسع دائرة النيران وتزيد من عدد الإسرائيليين الذين يتجهون بشكل يومي إلى الملاجئ فيما نجحت العمليات العسكرية في الوصول لأهداف تسببت بمقتل العشرات بين جنود ومدنيين.
عمليا، شكلت أحداث السابع من أكتوبر ساحة مواجهة بين إسرائيل وبين عدد من التنظيمات المسلحة في المنطقة التي تحظى بدعم من إيران، وسرعان ما جاءت النتائج بتسارع كبير وغير متوقع: اغتيال أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصر الله وعدد كبير من قادة الحزب ومقاتليه إضافة الى استهداف عتاده وقدراته والتوغل عميقا في جنوب لبنان.
عمليا شكّلت أحداث السابع من أكتوبر أيضا حسما في الملف السوري، فمع أول هدنة مع غزة وإجراء صفقة تبادل، وجه نتنياهو رسالة لبشار الأسد، الذي بدأ نظامه ينهار تباعا بالتزامن مع هجمات شنتها فصائل سورية مستغلة الوضع الإقليمي، وصولا إلى هرب الأسد من سوريا واستلام أحمد الشرع نظام الحكم في البلاد.
وعلى جبهة إيران، جاءت حرب الـ12 يوما مدمّرة وتركت خسائر فادحة لدى الجانبين.
بعد عامين: حرب لم تنتهِ
اليوم، وبعد مرور عامين على تلك اللحظة المفصلية، لا تزال الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات. أزمة إنسانية غير مسبوقة في غزة، مشاهد تجويع لا توصف، مظاهرات تعم أرجاء العالم واعترافات بالجملة بالدولة الفلسطينية. في المقابل، انقسام داخلي عميق في إسرائيل حول إدارة الحرب ومستقبلها.
ملف الرهائن والمختطفين لا يزال أحد أعقد الملفات، إذ لم ينجح أي اتفاق في إنهاء معاناتهم أو معاناة ذويهم حتى يومنا، فيما تتجه الأنظار بقلق وترقب كبيرين إلى مصر بعد إعلان ترامب عن خطته لوقف الحرب.
في قطاع غزة، بات ربع مليون مواطن فلسطيني بين قتيل وجريح، آلاف الأطفال اليتامى، ودمار هائل في المسكن والبنى التحتية والمؤسسات، ومشاهد لا توصف من دمار مقومات الحياة في غزة.
ذاكرة مثقلة بالأسئلة
في الذكرى الثانية، يظل السابع من أكتوبر أكثر من مجرد تاريخ في عداد الحروب؛ بل يكتب فصلا جديدا من الصراع الممتد منذ حقبة "الرجل المريض" وانتهاء الحرب العالمية الأولى. فصل يثير تساؤلات حول الجاهزية، والخيارات السياسية، ومستقبل المنطقة بأكملها، بل ويطرح سؤالا أعمق من قلب إسرائيل: هل بات التصدّع السياسي الخطير في مرحلة لا عودة عنها؟!
