شهدت بلدة حاروف في قضاء النبطية، جنوب لبنان، حالة من الصدمة خلال الساعات الماضية بعد توقيف الأجهزة الأمنية لشاب يُدعى محمود أيوب، بتهمة التعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية.
وتبين أن أيوب، الذي يشغل منصب المدير المالي في مستشفى راغب حرب، هو أيضاً عضو في "حزب الله"، الأمر الذي زاد من حدة البلبلة في مسقط رأسه حاروف. فقد توجه العديد من الأهالي إلى المستشفى، خاصةً أن أيوب على اطلاع دقيق بقوائم مرضى الحزب وعائلاتهم الذين يترددون على المستشفى، ويمتلك معلومات تفصيلية عن حركة المستشفى منذ سنوات.
ورجحت المعلومات أن أيوب ربما سرّب بيانات هؤلاء المرضى إلى الاستخبارات الإسرائيلية، وقد يكون جزءاً من شبكة تضم نحو 700 منتسب إلى "حزب الله" تنشط في البلدة التي تُعتبر خزّاناً بشرياً للحزب في النبطية.
يُذكر أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقف أيوب في النبطية بالتنسيق مع جهاز أمن "حزب الله".
فضائح تتكشّف تباعا
يأتي توقيفه بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من اعتقال محمد صالح، المنشد الديني المقرب من "حزب الله"، بتهمة التخابر مع إسرائيل، والذي أثار أيضا صدمة غير مسبوقة في أوساط اللبنانيين، وخاصة في فوف حزب الله بحيث كان مقربا من أبناء الصف الأول لقيادة الحزب.
وفي 28 نيسان 2025، ألقت الأجهزة الأمنية اللبنانية القبض على العميل الإسرائيلي محمد صالح، بعد تلقي بلاغ من وكيل محل تحويل الأموال "Whish Money" في منطقة الغبيري، بالضاحية الجنوبية لبيروت.
كيف بدأت القصة؟
صالح، الذي يعمل في تجارة العملات والبورصة، بنى علاقة ثقة مع صاحب محل تحويل الأموال على مدى أشهر. لكن بعد أن طُلب منه تحويل 20 ألف دولار، اختفى فجأة، تاركًا مبلغ 18500 دولار عالقًا، بحسب الصحافي رضوان مرتضى عبر قناة "المحطة" على "يوتيوب".
عندما حضر صالح إلى المحل لمحاولة حل المشكلة، تفقد صاحب المحل هاتفه للتحقق من حساباته المالية، ليكتشف مفاجأة أكبر: رسائل بريد إلكتروني مع شخص يُدعى "لويس"، يطلب منه جمع معلومات دقيقة عن "المنظمة" – في إشارة إلى "حزب الله" – مثل أنواع الدراجات النارية، وآليات الإسعاف، والمدفعية، وتموضع العناصر.
مشوار العمالة: رحلة من العراق إلى إسرائيل
بعد إبلاغ صاحب المحل "حزب الله"، أقرّ صالح بأنه جُنّد من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي أثناء تواجده في العراق، عبر إعلان على "فيسبوك" موجّه لمن كان لهم ارتباط سابق بـ"حزب الله". بدأ التواصل مع ثلاثة أشخاص: "محسن"، و"أبو داوود"، و"علي"، وتطورت العلاقة لاحقًا إلى طلبات أمنية محددة.
اختراق للوحدات وتسريب معلومات خطيرة
أظهرت التحقيقات أن صالح طُلب منه إعادة الانضمام إلى "حزب الله" والانخراط في وحدة "العديد المركزي"، ثم نُقل إلى الوحدة 1100 للتدريب، قبل أن يُدمج في الوحدة 4100 المتخصصة بأمن الأفراد.
تُظهر المراسلات الإلكترونية بينه وبين مشغّليه الإسرائيليين طلبه المستمر للأموال مقابل المعلومات. وفي إحدى أخطر الرسائل، كشف للموساد عن شراء "حزب الله" لدراجات نارية خاصة بعبور الحدود نحو الجليل، بعد فتح ثغرات في الجدار الحدودي من قبل وحدة الهندسة. كما كشفت رسائله محاولاته المستمرة للعودة إلى صفوف "حزب الله"، رغم قرار سابق أصدره حسن نصرالله بمنع وحيدي العائلات من الانتساب للحزب.
شبكة الأموال والاعترافات
أقر صالح خلال التحقيقات بتلقيه أكثر من 20 ألف دولار، وقد وصل المبلغ الإجمالي وفق المحققين إلى 23 ألف دولار، استلمه عبر البريد الميت في العراق، أو كـ"هدايا" في محل بمنطقة الأشرفية ببيروت، إضافة إلى مبلغ آخر خبأه أسفل دراجة نارية في شارع الحمرا. وفي محاولة للتخفيف من مسؤوليته، زعم صالح خلال التحقيقات أنه بادر بإبلاغ الحزب، وأشار إلى أنه كان "عميلًا مزدوجًا" يعمل لصالح "حزب الله" والموساد معًا، على غرار العميل المزدوج السابق حسن عطية.
معلومات مغلوطة وأصل الحكاية
صالح ينتمي إلى عائلة من الرعيل الأول في "حزب الله" وله علاقات وثيقة بعدة قيادات، بينهم حسن بدير الذي اغتيل في نيسان الفائت بحي ماضي. وقد صححت التحقيقات معلومات مغلوطة عنه، مثل الادعاء بأن شقيقه شهيد (إذ تبيّن أنه شقيق طليقته)، وأنه لم يكن منشداً دينياً للحزب سوى أنه سجل نشيدًا واحدًا فقط.
حتى الآن، لم تُغلق التحقيقات نهائيًا، وما زال من المتوقع ظهور معلومات إضافية قد تؤكد أو تنفي تفاصيل حساسة أخرى في هذه القضية، وفقًا لما نقله الصحافي رضوان مرتضى.
ضربات قاتلة لحزب الله
وكان "حزب الله" قد تكبد خسائر كبيرة في المواجهات مع إسرائيل العام الماضي، عندما أعلن فتح "جبهة إسناد" لحركة "حماس" في غزة. إذ أُغتيل معظم قادته العسكريين، بمن فيهم أمينه العام حسن نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين، إلى جانب قيادات في "مجلس الحزب الجهادي والشرعي".
وأظهرت تلك الخسائر اختراقاً أمنياً واستخباراتياً واسع النطاق في بنية الحزب، ظهر جلياً خلال "عملية البيجر" الكبيرة التي أسفرت عن سقوط مئات من عناصره.