تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية توترًا متزايدًا مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان خلال الأيام الأخيرة، وسط تحذيرات من عواصم عربية وغربية من انزلاق الموقف نحو مواجهة عسكرية شاملة. في المقابل، يواصل حزب الله التأكيد على تمسكه بسلاحه وحقه في الرد، بينما تضغط جهات وساطة عربية ودولية لمنع تجدد الحرب.
تحذيرات مصرية من تفجر الموقف ودعوة لوساطة أميركية
أفادت مصادر دبلوماسية لصحيفة الشرق الأوسط بأن رئيس جهاز المخابرات المصري، اللواء حسن رشاد، حذّر مسؤولين لبنانيين من أن استمرار حالة الجمود السياسي قد يؤدي إلى "ضرر جسيم" للبنان، داعيًا إلى تحرك عاجل لإقناع الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب بالتدخل والضغط على إسرائيل لوقف التصعيد.
وخلال لقاءاته مع كلٍّ من رئيس الحكومة اللبنانية، ورئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، عبّر المسؤول المصري عن رغبة القاهرة في المساهمة بجهود الوساطة، مؤكدًا استعداد بلاده لـ"إطلاق مبادرة تضع حدًّا للمواجهات المتصاعدة على الجبهة الجنوبية".
وبحسب المصدر ذاته، فقد جرى الاتفاق على إبقاء تفاصيل المحادثات طي الكتمان، بينما يتولى مدير الأمن العام اللبناني اللواء حسن شقير ورئيس استخبارات الجيش العميد طوني كهوَجي متابعة التنسيق مع الجانب المصري حول المبادرة.
موقف لبناني رسمي حذر: "الكرة في الملعب الإسرائيلي"
مصادر حكومية لبنانية نقلت لصحيفة الديار أن القيادة اللبنانية تنتظر ردًّا إسرائيليًا عبر الوسطاء الأميركيين بشأن مقترح لتوسيع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار لتشمل ممثلين مدنيين، بحيث تكون مخوّلة بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب، على غرار آلية ترسيم الحدود البحرية.
وأكدت المصادر أن لبنان التزم بالاتفاقات الدولية وبتنفيذ وقف إطلاق النار رغم "الانتهاكات الإسرائيلية اليومية"، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تتحملان المسؤولية عن أي فشل في التهدئة"، في وقت تستمر فيه إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية على الحدود.
حزب الله: "نواجه حربًا شاملة سياسية واقتصادية وأمنية"
من جانبه، قال النائب عن حزب الله حسن فضل الله إن إسرائيل تمارس "سياسة الضغط الأقصى من خلال عملياتها اليومية في الجنوب"، معتبرًا أن الحزب "يخوض حربًا مركّبة عسكرية وأمنية واقتصادية وإعلامية ضدّ كيان العدو وحلفائه".
وأضاف فضل الله:"مهما بلغ حجم العدوان، لن يتمكن أحد من اقتلاعنا من أرضنا. المطلوب موقف وطني موحّد تتحمّل فيه الدولة بكل مؤسساتها مسؤولية حماية السيادة ومنع الاعتداءات."
وفي خطاب آخر، شدد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، على أن التهديدات الإسرائيلية لن تغيّر موقف المقاومة، وقال:"لن نخضع للإملاءات. المقاومة قوّة يجب الحفاظ عليها، وأي اتفاق جديد يجب أن يحفظ كرامة لبنان وسيادته."
تهديدات إسرائيلية متجددة باستهداف الضاحية الجنوبية
في المقابل، نقلت قناة العربية عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن "إسرائيل تراقب محاولات حزب الله لإعادة بناء قدراته العسكرية وتهريب مئات الصواريخ القصيرة المدى من سوريا"، مضيفًا أن "الجيش الإسرائيلي قد يضطر لتجديد قصف الضاحية الجنوبية في بيروت إذا لم يتم تفكيك سلاح حزب الله".
وأكد المصدر أن تل أبيب لن تنسحب من مواقعها العسكرية الخمسة في جنوب لبنان في المدى القريب، مشيرًا إلى أن مصر انضمت مؤخرًا إلى الجهود الدولية لمنع التصعيد على الجبهة اللبنانية.
مبعوث أميركي: لبنان لا يملك ترف الوقت
من جهة أخرى، قال المبعوث الأميركي توماس براك خلال منتدى الحوار في المنامة إن "على لبنان أن يسرع في نزع سلاح حزب الله، لأن بقاءه يشكل تهديدًا دائمًا لاستقرار المنطقة".
وأضاف براك أن إسرائيل تواصل هجماتها اليومية على الجنوب اللبناني بسبب استمرار وجود ترسانة صاروخية ضخمة لدى حزب الله، مشيرًا إلى أن "الحوار المباشر أو غير المباشر مع إسرائيل بات أمرًا لا مفر منه".
سيناريوهات مفتوحة واحتمالات تصعيد
بين الضربات الجوية الإسرائيلية والتصريحات الحادة من حزب الله، تبدو الساحة اللبنانية مقبلة على مرحلة دقيقة قد تحدد مستقبل الهدوء النسبي القائم منذ حرب 2006.
ويرى مراقبون أن الجهود المصرية والأميركية قد تشكّل نافذة أمل لتجنّب مواجهة واسعة، لكن استمرار التصعيد الميداني والجمود السياسي في بيروت يجعلان احتمال الانفجار مجددًا قائمًا في أي لحظة.
حزب الله يلوّح بردّ محتمل حال اجتياح بري
أفادت مصادر قريبة من حزب الله لقناة الحدث السعودية بأن الحزب ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، والذي يشمل فقط المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، مؤكدة في الوقت نفسه أن الحزب قد يردّ عسكريًا في حال قيام إسرائيل بعملية برية داخل الأراضي اللبنانية.
وأضافت المصادر أن حزب الله لا يدرس في الوقت الحالي أي تعديلات على اتفاق وقف إطلاق النار القائم، مشيرة إلى أن أي تحرك للجيش اللبناني شمال نهر الليطاني سيكون جزءًا من اتفاق سياسي مستقبلي وليس ضمن ترتيبات ميدانية راهنة.
وحذّرت المصادر من أن غياب اتفاق تفاوضي واضح بين بيروت وتل أبيب من شأنه أن يزيد احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة الحدودية، لافتة إلى أن الضغوط الإسرائيلية المتواصلة، والتهديدات المتكررة باجتياح بري، تضع لبنان أمام اختبار سياسي وأمني خطير.
في المقابل، قالت أوساط مراقبة في بيروت إن تصريحات حزب الله تعكس تمسكه بالردع الميداني دون السعي إلى مواجهة مفتوحة، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى استعداد الحزب للتحرك في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء المتفق عليها.


