وثائق مسرّبة تكشف: واشنطن تجهّز لغزة مُقسّمة بلا إعادة إعمار

وثائق سريّة كشفت عن خطة أميركية لتقسيم قطاع غزة إلى "منطقة خضراء" تحت إشراف دولي–إسرائيلي وأخرى تُترك مدمّرة دون إعادة إعمار 

5 عرض المعرض
شتاء غزة
شتاء غزة
شتاء ودمار في غزة
(Flash90)
تُظهر وثائق عسكرية أميركية اطّلعت عليها صحيفة "ذا غارديان"، إلى جانب مصادر مطّلعة على التخطيط الأميركي، أن الولايات المتحدة تعمل على خطة طويلة المدى لتقسيم قطاع غزة إلى منطقتين: "منطقة خضراء" تخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية ودولية مشتركة، وتبدأ فيها عملية إعادة الإعمار، و"منطقة حمراء" تُترك على حالها بعد الدمار، حيث تعيش غالبية السكان الفلسطينيين اليوم دون أي خطط لإعادة البناء.
وبحسب الوثائق، ستنتشر قوات أجنبية في المرحلة الأولى إلى جانب الجيش الإسرائيلي في شرق القطاع، بحيث يقسم "الخط الأصفر"—وهو خط السيطرة الحالي للجيش الإسرائيلي—القطاع إلى منطقتين منفصلتين. وقال مسؤول أميركي إن “الهدف المثالي هو توحيد القطاع، لكن ذلك يبقى طموحًا… سيستغرق وقتًا طويلًا ولن يكون سهلًا”.
شكوك حول التزام واشنطن بحل سياسي شامل
وبحسب تقرير "ذا غارديان" تثير هذه الخطط تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بتحويل وقف إطلاق النار المعلن الشهر الماضي إلى اتفاق سياسي دائم يقود إلى حكم فلسطيني في كامل القطاع، وهو ما تعهّد به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقد تغيّرت الرؤية الأميركية لمستقبل غزة مرارًا خلال الأسابيع الأخيرة، في إطار مقاربة وصفت بالفوضوية والمرتبكة للتعامل مع واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم، ولتأمين المساعدات الأساسية لأكثر من مليوني فلسطيني.
وكانت الولايات المتحدة طرحت سابقًا خطة لبناء "مجمّعات آمنة" صغيرة للسكان الفلسطينيين داخل غزة، قبل أن تتخلى عنها هذا الأسبوع وفق ما أكد مسؤول أميركي، رغم أن المنظمات الإنسانية قالت إنها لم تُبلّغ رسميًا بذلك.
ويحذر وسطاء دوليون من أن غياب خطة واضحة لإعادة الإعمار، أو انسحاب منظم للقوات الإسرائيلية، أو قوة حفظ سلام فعّالة، قد يترك غزة في حالة "لا حرب ولا سلام"، مع هجمات إسرائيلية متقطعة، واستمرار الاحتلال، وغياب الحكم الذاتي الفلسطيني.
5 عرض المعرض
غزة
غزة
غزة
(Flash90)
قوة تثبيت دولية… وخلافات حول قواتها
وتشير "ذا غارديان" في تقريرها إلى أنّ "خطة السلام" المكونة من 20 نقطة التي طرحها ترامب تستند إلى إنشاء قوة دولية لتثبيت الاستقرار (ISF)، وتأمل واشنطن أن يصدر مجلس الأمن قرارًا يمنحها تفويضًا رسميًا خلال الأسبوع المقبل، على أن تُحدَّد لاحقًا المساهمات العسكرية للدول.
وبحسب وثائق "سينتكوم" التي اطّلعت عليها الصحيفة، وضعت القيادة الأميركية خطة أولية لمشاركة قوات أوروبية، بينها:
1,500 جندي بريطاني بمهام تشمل تفكيك المتفجرات والخدمات الطبية
1,000 جندي فرنسي لمهام تأمين الطرق
طواقم ألمانية وهولندية وإسكندنافية للطب الميداني واللوجستيات والاستخبارات
لكن مصادر دبلوماسية وصفت هذه التصورات بأنها "غير واقعية"، نظرًا لمحدودية استعداد الدول الأوروبية للمخاطرة بقواتها في غزة بعد تجارب العراق وأفغانستان. وحتى الآن، لم تُبدِ سوى إيطاليا استعدادًا مبدئيًا للمشاركة.
وقال مسؤول أميركي إن الأرقام الواردة في الوثائق “غير دقيقة”، مؤكدًا أن الخطط “ديناميكية وتتغير بسرعة”.
كما أدرجت الخطة الأردن كجهة محتملة لإرسال مئات الجنود وما يصل إلى 3,000 شرطي، رغم إعلان الملك عبد الله رفضه التام لأي مشاركة عسكرية، معتبرًا أن ذلك "مستحيل سياسيًا" ويهدد الأمن القومي لبلاده التي تضم غالبية سكانية من أصول فلسطينية.
5 عرض المعرض
خيام النازحين داخل إحدى المدارس في غزة
خيام النازحين داخل إحدى المدارس في غزة
خيام النازحين داخل إحدى المدارس في غزة
(Flash90)
مهام القوات الأجنبية وخط السيطرة
تتوقع الخطة الأميركية أن تنتشر القوات الدولية داخل "المنطقة الخضراء" فقط، بدءًا بعدد محدود من الجنود قبل التوسع إلى قوة تصل إلى 20 ألف جندي. وستضطلع هذه القوة بحماية مناطق إعادة الإعمار، والعمل عند المعابر جنبًا إلى جنب مع القوات الإسرائيلية.
وتشير الوثائق إلى أن الجيش الإسرائيلي سيبحث "شروط الانسحاب" لاحقًا بعد تثبيت الأمن الدولي دون تحديد جدول زمني.
وبحسب المسؤول الأميركي، فإن إعادة توحيد غزة تُعدّ جزءًا من مسار "يهدف إلى الاستقرار والسلام الدائم والتحول إلى حكم مدني"، لكن دون إطار زمني واضح.
وتتضمن خطة ترامب إنشاء قوة شرطة فلسطينية جديدة كحل للأمن الداخلي، لكن دورها محدود في المرحلة الأولى، إذ ينص المخطط على بدء التجنيد بـ200 عنصر فقط، ترتفع خلال عام إلى ما بين 3,000 و4,000 عنصر.
5 عرض المعرض
غزة
غزة
غزة
(Flash90)
إعادة الإعمار كأداة لإعادة الهندسة السكانية؟
تراهن واشنطن على أن إعمار "المنطقة الخضراء" سيحفز السكان الفلسطينيين على الانتقال إليها طوعًا "بحثًا عن حياة أفضل"، كما يقول المسؤول الأميركي، دون الحديث عن أي عملية عسكرية لفرض ذلك.
لكن تحديد "منطقة خضراء" محصّنة في غزة يذكّر بتجارب العراق وأفغانستان، حيث تحوّلت هذه المناطق إلى رموز للفشل العسكري الأميركي، معزولة عن الأوضاع الكارثية في محيطها.
ويشير مراقبون إلى أن استخدام المساعدات لإغراء المدنيين بالدخول إلى منطقة تحت سيطرة إسرائيل بعد حرب خلص تقرير أممي إلى أنها "قد ترقى إلى الإبادة الجماعية"، يعيد إلى الأذهان سياسات أميركية سابقة انتهت بكوارث إنسانية.
5 عرض المعرض
دمار كارثي في قطاع غزة
دمار كارثي في قطاع غزة
دمار كارثي وأزمة انسانية في قطاع غزة
(Flash90)
أزمة إنسانية ممتدة
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80٪ من البنى التحتية في غزة دُمرت أو تضررت بشدة، بما في ذلك معظم المدارس والمستشفيات. وبينما ما يزال وقف إطلاق النار قائمًا منذ أكثر من شهر، تواصل إسرائيل تقييد دخول المساعدات، بما في ذلك منع مواد أساسية مثل أعمدة الخيم المصنفة "مزدوجة الاستخدام".
ويعيش أكثر من 1.5 مليون فلسطيني في انتظار مواد الإيواء العاجلة، بينما يقطن مئات الآلاف في خيام بلا خدمات أساسية، وقد دُفع أكثر من مليوني شخص اليوم إلى العيش داخل "المنطقة الحمراء" الضيقة المحاذية للساحل، والتي تقلّ مساحتها عن نصف القطاع.