بعد سنوات من التراجع، تشهد إسرائيل منذ أكثر من عقد عودة مقلقة لارتفاع أعداد ضحايا حوادث الطرق، في مسار معاكس للإنجاز الذي تحقق عام 2012 حين انخفض عدد القتلى إلى 290 فقط، مقارنة بذروة دامية بلغت 709 ضحايا عام 1995. إلا أن هذا الاتجاه الإيجابي توقف، ومنذ ذلك الحين تسجّل الأرقام ارتفاعًا شبه متواصل، بالتزامن مع تراجع ميزانيات السلطة الوطنية للأمان على الطرق وتحويل الأموال الحكومية إلى أولويات أخرى.
ومنذ مطلع عام 2025، قُتل 436 شخصًا في حوادث طرق في أنحاء البلاد، في رقم يقترب من حصيلة عام 2024 التي انتهت بـ439 قتيلًا، لتكون الأسوأ منذ عام 2007. وبذلك، يُتوقع أن يتجاوز عام 2025 هذا الرقم القياسي السلبي، ما دفع الشرطة والسلطة الوطنية للأمان على الطرق إلى إطلاق خطة واسعة تهدف إلى كبح هذا التصاعد.
أهداف طموحة وخطة متعددة المسارات
الخطة الجديدة تسعى إلى خفض عدد القتلى بنسبة 25% خلال خمس سنوات، و50% خلال عشر سنوات، عبر مزيج من تشديد الرقابة، وتعزيز العقوبات، وتكثيف الوجود الشرطي، إلى جانب حملات توعوية وتربوية.
ولتنفيذ المرحلة الأولى، التي تشمل نشر كاميرات سرعة جديدة وزيادة عدد دوريات المرور، جرى تحويل 50 مليون شيكل بالفعل، على أن تبدأ التغييرات خلال العام المقبل. كما صادقت الحكومة على تخصيص 350 مليون شيكل إضافية للخطة الكاملة ابتداءً من الربع الثاني من العام المقبل، إلا أن هذه الميزانية تبقى مشروطة بإقرار الموازنة العامة في الكنيست واستمرار التمويل سنويًا.
كاميرات سرعة لا يمكن التحايل عليها
ضمن الخطة، تعتزم الشرطة إدخال نوع جديد من كاميرات السرعة بحلول منتصف عام 2026، تعتمد على قياس السرعة المتوسطة بين نقطتين على مقطع طريق قد يمتد لمئات الأمتار أو عدة كيلومترات. وبهذه الطريقة، لن يتمكن السائقون من الإبطاء مؤقتًا قرب الكاميرا ثم معاودة السرعة، كما هو الحال مع الكاميرات الحالية المعروفة بـ“الصناديق البرتقالية”.
ووفق المخطط، سيتم تجهيز نحو 250 مقطع طريق بـ500 كاميرا جديدة. في المرحلة الأولى، ستُنشر 120 كاميرا، يُتوقع دخولها الخدمة في الربع الثاني من عام 2026. ويؤكد مدير عام السلطة الوطنية للأمان على الطرق، غلعاد كوهين، أن الهدف هو تغيير ثقافة المخالفات، مشيرًا إلى أن “80% من المخالفات في العالم تُسجل إلكترونيًا دون احتكاك مباشر مع الشرطة، بينما الوضع في إسرائيل ما زال معكوسًا”.
تعزيز الوجود الشرطي وتشديد العقوبات
إلى جانب الرقابة الإلكترونية، ستُعزَّز الشرطة بـ234 دورية مرور جديدة، أي ثلاثة أضعاف العدد السابق، بينها 99 دورية للطرق بين المدن، والبقية داخل البلدات ومحيطها. كما ستُنظم حملات إنفاذ مركزة في مناطق تشهد معدلات حوادث مرتفعة.
وفي ما يتعلق بالعقوبات، أعلنت وزيرة المواصلات ميري ريغيف نيتها تشديد العقوبات على سبع مخالفات تُعد الأخطر، أبرزها استخدام الهاتف أثناء القيادة، حيث طُرح مقترح رفع الغرامة إلى 10 آلاف شيكل في المخالفة الأولى، مع إمكانية مصادرة المركبة في حال التكرار. وتشمل المخالفات الأخرى: تجاوز الإشارة الحمراء، السرعة الزائدة، اجتياز خط متصل، عدم إعطاء حق الأولوية، القيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، والقيادة دون رخصة سارية.
ويشير كوهين إلى أن النقاشات لا تزال جارية، وأن بعض الإجراءات ستتطلب تعديلات تشريعية ومصادقة الكنيست، مرجحًا أن تشهد الغرامات ارتفاعًا تدريجيًا بدل القفزات الحادة المقترحة.
تغيير ثقافة القيادة
الخطة لا تقتصر على الردع، بل تشمل أيضًا التوعية والتعليم، حيث خُصصت 10 ملايين شيكل لحملات إعلامية في السلطات المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب برامج تربوية لطلاب المدارس، وتدريب جديد لراكبي الدراجات النارية ومستخدمي المركبات الكهربائية.
كما تستمر مبادرة “مدن آمنة” الهادفة إلى خفض السرعة داخل المدن إلى 30 كم/س، وهي خطوة أعلنت عنها تل أبيب مؤخرًا، مع توقع انضمام مدن أخرى مثل حيفا.
رهان على الاستمرارية
رغم الطموح، يبقى نجاح الخطة مرهونًا بالالتزام السياسي والتمويلي على المدى الطويل. فالتجارب السابقة خلال العقدين الماضيين أظهرت أن غياب الاستمرارية في الميزانيات أدى إلى فشل خطط مماثلة وعودة الارتفاع في أعداد الضحايا. هذه المرة، تأمل السلطة الوطنية للأمان على الطرق أن تترجم الوعود إلى تنفيذ ثابت، قبل أن تتحول الأرقام المتصاعدة إلى واقع دائم على الطرق.



