تسود أوساط كبار الاقتصاديين ومسؤولين في الحكومة مخاوف جدّية من أنّ توسيع الحرب في غزة، إلى جانب تجنيد واسع النطاق لقوات الاحتياط، وتكاليف شهرية تتجاوز 10 مليارات شيكل، وارتفاع إضافي كبير في عجز الموازنة، سيؤدي قريباً إلى خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل.
خلال الأيام الأخيرة، أجرى خبراء اقتصاديون من كبريات شركات التصنيف العالمية محادثات مع مسؤولين في سوق المال الإسرائيلي، واستناداً إلى ما طُرح في هذه النقاشات، يُفهم أنّ هذه الشركات قد تدرس بجدية خفض التصنيف الائتماني في الخريف أو حتى مع نهاية العام، في حال إطلاق عملية عسكرية لاحتلال غزة.
لخفض التصنيف تبعات قاسية
ويُتوقّع أن تكون تبعات خفض إضافي للتصنيف، بعد ثلاثة تخفيضات في عام 2024، بالغة القسوة على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ سترتفع الفوائد على القروض الضخمة التي ستضطر الحكومة لاقتراضها لتمويل الحرب، ما سيمنع خفض أسعار الفائدة. كما ستتردد شركات أجنبية في الاستثمار بإسرائيل، مما يزيد خطر موجات تسريح العمال، فيما سيضعف الشيكل من جديد وتتأثر البورصة سلباً، وبالتالي يخسر المستثمرون في سوق المال أموالاً طائلة.
وقال مصدر اقتصادي بارز "انطباعي أن صبر شركات التصنيف بدأ ينفد. في ضوء المعطيات السلبية الأخيرة الناتجة عن الحرب مع إيران، فإنّ توسيع المعركة في القطاع سيؤدي إلى تدهور إضافي وخطير في البيانات الاقتصادية. لا يمكن أن يبقى التصنيف كما هو في ظل هذا الوضع، ومن المرجّح أن يُخفّض قريباً."
على أعتاب كارثة حقيقية
مسؤول اقتصادي آخر أشار إلى أنّ خبراء إحدى شركات التصنيف أوضحوا له صراحة: "مع وجود توقع سلبي للتصنيف في الظروف الحالية، فإنّ أي تدهور إضافي لن يحتاج إلى تحذير مسبق، بل ستعلن الشركة بين ليلة وضحاها عن خفض التصنيف. بالنسبة لنا هذا كارثة اقتصادية حقيقية، ومن المؤسف أنّ الحكومة تتخذ قرارات دون أن تولي هذا الملف الخطير أي جدّية."
شركات التصنيف الكبرى في العالم — ستاندرد آند بورز، موديز، فيتش — تابعت عن كثب الأرقام الاقتصادية السلبية التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية مؤخراً، ومن أبرزها: تراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% في الربع الثاني من العام، وانخفاض مقلق بنسبة 7% في الناتج المحلي الإجمالي التجاري، وهبوط يتجاوز 5% في الاستهلاك الخاص للفرد، وانهيار في الاستثمارات في قطاع البناء، وذلك في وقت بدأت فيه أسعار الشقق بالانخفاض أصلاً، إلى جانب تراجع في أنشطة قطاعات أخرى غير مرتبطة مباشرة بالحرب مع إيران، ما يدل على تباطؤ واسع في الاقتصاد.
اتساع العجز لنسب غير معهودة
يأتي ذلك بالتوازي مع اتساع العجز في ميزانية 2025 ليصل حالياً إلى 5.2%، وسط توقعات في وزارة المالية بارتفاعه إلى نحو 6% مع نهاية العام، وبقائه عند مستويات مشابهة خلال 2026.
أما عملية "مركبات جدعون" العسكرية، التي وصفها قادة في الجيش بأنها لم تكن نجاحاً باهراً، فقد كلّفت الاقتصاد 25 مليار شيكل، فيما سيتطلب تجنيد الاحتياط الشامل 11 مليار شيكل إضافي شهرياً. كما تجاوزت الميزانية بالفعل حدودها نتيجة نفقات عملية إسرائيل العسكرية على إيران، واستمرار الحرب في غزة، وتمويل المهجّرين والمتضررين بمبلغ يقدّر بـ31 مليار شيكل، مع توقّع مزيد من الانفلات في الميزانية حتى نهاية السنة. إضافة إلى ذلك، بلغت تكاليف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة حتى الآن 2.2 مليار شيكل، فيما قد يتطلب احتلال القطاع ما لا يقل عن 4 مليارات شيكل إضافية.
كل هذه التطورات قد تُعرقل إمكانية أن يدرس محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، خفض الفائدة لأول مرة منذ 1 كانون الثاني/يناير 2024، وذلك في جلسته المقررة بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر.
وكانت شركات التصنيف الدولية قد توقعت من الحكومة الإسرائيلية، بدلاً من اختراق ميزانية 2025 بشكل غير مسؤول، تنفيذ خطوات إصلاحية طالما أوصت بها في تقارير سابقة، إلا أن أياً منها لم يُنفذ، مثل: تقليص مليارات من الاتفاقيات الائتلافية، إغلاق وزارات حكومية غير ضرورية، استغلال انسحاب الأحزاب الحريدية لإغلاق وزارة واحدة على الأقل، أو اتخاذ إجراءات ضريبية إيجابية كإعادة فرض الضريبة على الأدوات البلاستيكية أحادية الاستخدام والمشروبات المحلاة.